الخميس، 29 أغسطس 2019

الوحيد العاري


يغطي الشعر كامل جسم الجنين في بطن أمه بما في ذلك وجهه ورقبته قبل أن يبدأ بالاختفاء في الأسابيع الأخيرة من الحمل.. وحين يحين موعد الولادة لا تتبقى على جلودنا سوى الفتحات التي كان يخرج منها الشعر (وهي ظاهرة يأخذها علماء الدارونية كدليل على تطورنا من مخلوقات تقترب من السير بانتصاب كالغوريلا)..

وحتى يومنا توجد عائلات معينة وشعوب كاملة مازالت تحتفظ بجينات نشيطة ومسؤولة عن غزارة الشعر وانتشاره في أماكن غير معتادة كالظهر والكتفين والأذنين. وأذكر أن كتاب جينيس أورد صورا لعائلة مكسيكية يغطي الشعر كامل أفرادها صغارا وكبارا رجالا ونساء؛ بحيث لا يبدو منها سوى العينين فقط.. ويعود السبب الى استمرار الجين المسؤول عن غزارة الشعر في أداء عمله حتى بعد خروج الجنين للدنيا.. ومن يعانون من هذه الظاهرة مصابون بما يدعى طبيا "متلازمة الذئاب" ويمكن مشاهدتهم في صور جوجل من خلال إدخال هاتين الكلمتين Werewolf Syndrome

ورغم ثقتنا بأن الانسان خلق في أحسن تقويم، إلا أنني اطلعت مؤخرا على ثلاث فرضيات تطورية تحاول تفسير سبب اختفاء الشعر من أجسادنا (رغم تهربها من أسباب بقائه فوق رؤوسنا وتحت أيدينا وأفخاذنا فقط):

الفرضية الأولى تقول الانسان تخلص من معطف الشعر الخاص به لأنه ظهر أصلا في أفريقيا حيث الحرارة الشديدة.. كما كان يعاني من ارتفاع حرارة جسده كلما ركض للصيد بسبب صعوبة تبخر العرق تحت شعره الكثيف.. وهكذا بدأ جسم الانسان يعدل نفسه بالتدريج بحيث رسخ الصفة الحميدة (وهي اختفاء الشعر في هذه الحالة) حتى اختفت بطريقة وراثية ونهائية لدى الأجيال التالية...

ولكن يعيب هذه النظرية من وجهة نظري احتفاظ القرود في أفريقيا بمعطف الشعر!!

أما الفرضية الثانية فوضعها عالم الأحياء الانجليزي مارك باجل عام 2003 وتقول إن ذكاء الانسان أتاح له صنع الملابس والتدثر بها.. وهذا بحد ذاته ساهم من اختفاء الشعر كون الجسم يستشعر عدم حاجته للشعر فيبدأ بالسقوط تلقائيا.. وحين أصبح اللباس (عادة) ضمرت جينات الشعر الغزير ولم تعد تنقل وراثيا الى الأجيال التالية خصوصا أن زوال الشعر يعفيه من تراكم القمل والجراثيم والحشرات الصغيرة...

ولكن يعيب هذه الفرضية من وجهة نظري أن الانسان لم يلجأ للملابس إلا لحماية جلده العاري والرقيق أصلا.. بمعنى أن الملابس كانت نتيجة (وليست سببا) لخلوه من الشعر!!

أما عالمة التطور جودي فارية فاقترحت عام 2006 فرضية أكثر تطرفا حيث قالت إن ولادة طفل بدون شعر (في المجتمعات البدائية الأولى) كانت حالة نادرة (كندرة العائلة المكسيكية السابقة) ولكنها حالة محببة وتدعو للتفاخر.. وحين يكبر هؤلاء ينجبون أبناء يماثلونهم في انعدام الشعر (كما أنجب الوالدان في العائلة المكسيكية أطفالا يغطي الشعر أجسادهم). وبمرور الوقت أصبح انعدام الشعر "ميزة جمالية" بحيث أصبح الناس يفضلون الزواج من الرجال والنساء (غير المشعرات) وبهذه الطريقة انقرض بالتدريج من يغطي الشعر أجسادهم كاملة!!

... وقد لا يكون أي من هذه الفرضيات مؤكدا؛ ولكن مسألة تفضيل الزواج ممن يملكون مواصفات جمالية معينة (مثل الطول والبياض وقلة الشعر واعتدال الصحة) أمر دارج وملاحظ حتى الآن بين الأمهات والعائلات التي تخطب لأبنائها.. وهذا بحد ذاته نوع من الاصطفاء الذاتي الذي يتسبب بمرور الأجيال في ترسيخ صفة وراثية أو جمالية معينة وفي المقابل تراجع صفة أخرى لا يفضل معظم الناس التزاوج معها..

واسأل أمك عن مواصفات "العروس المناسبة" لتكتشف تبنيها نظرية داروين في الاصطفاء والانتخاب الطبيعي ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...