السبت، 31 أغسطس 2019

العصر الثالث


هل تعرف الفرق بين الآلة والمكينة؟

.. الآلة أداة بسيطة (كالمطرقة والعتلة والمسحاة) تسهل قيامنا بالأعمال اليدوية وتضاعف جهدنا العضلي.. أما المكينة فمجموعة آلات معقدة تتضمن محاور ومفاصل وتعتمد على الطاقة لا عضلات الإنسان (كمحرك السيارة وقاطرة الديزل)..

والعجيب أن الحضارات القديمة اعتمدت على الآلات فقط ولم ترتفع إلى مستوى ابتكار مكائن تتحرك من تلقاء ذاتها.. فالفراعنة والرومان والصينيون مثلاً بنو الإهرامات والكولونوزيوم والسور العظيم باستعمال العتلات والمطارق والمناشير - وليس رافعات الديزل أو خلاطات الإسمنت أو لاحمات المعادن..

وبناء عليه يمكن القول إن الثورة الصناعية الحديثة بدأت حين هجر الإنسان "الآلة" واعتمد على "المكينة"..

وحدث هذا تحديداً في إنجلترا أواخر القرن الثامن عشر حين بدأت مكائن الغزل تحل محل الأدوات ومهارات العمال اليدوية.. حين بدأت مكائن البخار والديزل في تحريك القطارات، ورافعات المناجم، وخطوط التصنيع، وسفن الشحن - واكتفى الإنسان بإدارة كل هذا!!

أما الثورة الصناعية الثانية فبدأت مع ظهور المصانع التي تنتج الآلات ذاتها (بحيث ينتج المصنع الواحد آلاف القطع من ذات السلعة من خلال إجراءات متماثلة الأمر الذي أتاح لنا الاستمتاع بمنتجات معقدة كالهواتف الجوالة بأسعار منخفضة)..

ورغم أن المصانع ماتزال الرحم الذي تخرج منه السلع الاستهلاكية؛ إلا أن هناك طريقة مختلفة في التصنيع بدأت تتوسع باضطراد.. طريقة لا تعتمد على استعمال المسامير والبراغي واللحام (لربط أجزاء الآلة) بل إلى طبعها وصبها ومراكمتها بطريقة "الطباعة ثلاثية الأبعاد"..

فاليوم مثلاً يمكنك أمر (طابعة الكمبيوتر) بطبع صورة مسمار صغير أو مطرقة كبيرة تجدها على الانترنت.. ستطبعها لك كما تراها على الشاشة؛ ولكن بطريقة مسطحة وبسمك لا تتجاوز فيه طبقة الألوان ربع مليمتر.. أما الطابعة ثلاثية الأبعاد فتستمر برش الحبر حتى يرتفع طبقات فوق بعضها البعض بحيث تحصل في النهاية على (مجسم) لبرغي حقيقي أو مطرقة صلبة يمكن انتزاعها من سطح الورق.. وطابعات كهذه لا تستعمل الحبر لتجسيم السلعة، بل رذاذ معدني (أو بلاستيكي وزجاجي) يجف بسرعة بحيث تحصل فوراً على المنتج بهيئته الصلبة.. ورغم أن هذه الطريقة تبدو مستقبلية وخيالية، إلا أنها في الحقيقة قديمة وواقعة فيها يتعلق بالصناعات التقنية.. فالشرائح الذكية في الأجهزة الحديثة مصنوعة بهذه الطريقة من خلال "رش" و "طبع" آلاف النسخ من شريحة نموذجية واحدة.. كما تصنع أجزاء كبيرة من هيكل وأجنحة طائرة بوينج الأخيرة (دريملاينر) بهذا الأسلوب من خلال رش ومراكمة الألياف الزجاجية حتى تتجسم ككتلة صلبة.. حتى شركات السيارات الحديثة بدأت تتخلى عن ربط أجزاء السيارة بالمسامير والبراغي وإنتاج معظم الهيكل كقطعة واحدة يتم صبها أو سبكها بطريقة الرش المعدني!!

.. أيها السادة

بناء المصانع (التي تنتج آلاف القطع المتشابهة) مكننا اليوم من امتلاك طابعات رخيصة في بيوتنا.. أما أحفادنا فسيمتلكون مستقبلاً "طابعات ثلاثية الأبعاد" تتيح لهم تصنيع وتجسيم منتجاتهم بأنفسهم من خلال سحب صورها الثلاثية عن طريق "النت"..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...