الجمعة، 30 أغسطس 2019

شرعنة تحقير المرأة


قبل الدخول في موضوع اليوم أرجو التفريق مسبقا بين المحرم الديني، والمحرم الاجتماعي.. بين الفقة الشرعي، والموروث الشرعي.. بين النصوص الشرعية، وبين ما فهمه أسلافنا من النصوص الشرعية.. بين الفتوى المعتمدة على نص صحيح ومباشر، وبين الرأي الشخصي للفقية وظروف العصر الذي ظهر فيه..

فالقسم الأول مُلزم في معظمه، في حين لا ينطبق ذلك على القسم الثاني كونه خاصاً بأصحابه ويمكننا الاختلاف معه..

فقوله تعالى "للذكر مثل حظ الأنثيين" أو "الرجال قوامون على النساء" مثلا نصوص شرعية صريحة نسلم بها ونتوقف عندها.. ولكن حين يستشهد بها أحدهم لتحقير المرأة أوالتقليل من شأن الأنثى فمن حقنا أن نختلف معه لأنه حّمل الآيات مالا تحتمل ولوى أعناق النصوص لتتفق مع رأيه وما تربى عليه.

وللأسف الشديد حين تتأمل تراثنا الفقهي تجد آراء واستنتاجات كثيرة (لا تعتمد على نصوص شرعية) تهدف لتحقير المرأة ونزع حقوقها والتقليل من شأنها في حين وضع الله الجنة تحت أقدامها.

ولو كانت هذه الآراء والأحكام مستنبطة من نص شرعي لقلنا "آمنا بالله" وتوقفنا عن الحديث في هذا الموضوع. ولكن حين تنتفي النصوص الشرعية يصبح من حقنا رفض حتى آراء الفقهاء الأربعة في مسألة مثل:"عدم إلزام الزوج بعلاج زوجته أو دفع تكاليف مرضها لأنها مثل المتاع المستأجر الذي لا يلزم المستأجر إصلاحه"..

فأحكام كهذه متأثرة بثقافة أصحابها والظروف السائدة في عصرها وتعتمد في أفضل الظروف على قياسات خاطئة تنطبق على الحمير والبغال وأثاث المنزل والدار المستأجرة.. خذ كمثال ماجاء في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي: "ولا يجب على الزوج شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب كونه يراد بذلك إصلاح الجسم (والجسم مستأجر وبالتالي) لا يلزمه كما لا يلزم المستأجر بناء مايقع من الدار وكذلك أجرة الحجام والفصاد".

ونفس هذا الحكم نسمعه من الجوزي في أحكام النساء، والبهوتي فقية الحنابلة المصري في كتاب النفقات، والامام الشافعي في قوله "إن كانت النفقة للحبس فهي محبوسة وان كانت للجماع فالمريض لايجامع فأسقطت لذلك النفقة" أما عبدالباري الزمزمي فقال في فقه النوازل بعدم إلزام الزوج بشراء كفن زوجته (ولكن يلزمه ذلك في حال جامعها بعد وفاتها)!!

.. وحين تتعمق في هذه الآراء تكتشف أنها لا تستند على نصوص شرعية مباشرة بل من توجهات مجتمعية وثقافة ذكورية تحتقر المرأة وتنظر للأنثى كجسد مستأجر (وليست شريكة حياة).. والمفارقة أنك كلما تعمقت في الكتب التي وردت فيها، اكتشفت تناقضات تالية تقع فيها .. فالفقهاء الذين أفتوا بعدم إلزام الرجل بعلاج زوجته (وقالوا إن ذلك يلزم والدها كونه مالكها الأصلي) يعودون ويعطون الزوج الحق في منع زوجته من زيارة والدها أو حتى حضور جنازته (وفي هذا تقديم لحق المستأجر على المالك يناقض ويعاكس الحجة التي اعتمدوا عليها في مسألة العلاج)!!

أما ابن قدامة الذي أكد في كتابه المغني على أن المرأة متاع مستأجر من زوجها فيعود ويقول في نفس الكتاب: ولا يُقتل الرجل في امرأته لأنه ملكها بعقد نكاح كما لايقتل الرجل في بهيمته .. وهنا استعمل كلمة "ملكها" بدل "استأجرها" لتبرئة الزوج في حال قتلها (وهذا ليس فقط قياساً فاسداً؛ حسب تعبير الفقهاء، بل وإلغاء لحد شرعي منصوص عليه في القرآن والسنة)!!

.. تمنيت فعلا لو كانت مساحة المقال تكفي لاستعراض آراء أخرى مماثلة وردت في أمهات الكتب الفقهية المعروفة.. ولكن يكفي التذكير بأن معظمها لا يعتمد على قال الله وقال الرسول بل ثقافة تجنح للإقلال من منزلة الأنثى وانتقاص حقوقها مقارنة بالرجل!

.. لا داعي لتذكيركم مجددا بالفروقات التي ذكرتها في بداية المقال.. ولا داعي أيضا لتذكيركم بأن المرأة مضطهدة حتى في المجتمعات غير الإسلامية.. ولكن أن تكون مضطهدة ونحاول نحن شرعنة ذلك فهذا والله إساءة للدين قبل المرأة سيحاسب عليه أصحابه يوم القيامة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...