الخميس، 29 أغسطس 2019

هل راجعت القرآن بنفسك (2-2)


أشرت في آخر مقال الى استلامي أكثر من رسالة تتضمن - مادعاه أصحابها- أدلة تؤكد خطأ موقفي من الإعجاز العلمي.. واستعرضت كمثال رسالة - أتتني من مصادر مختلفة-تتضمن قائمة بما دعاه البعض أدلة صارخة على وجود "الإعجاز العددي"..

وقبل أن أبدأ بفضح الأخطاء الواردة فيها حاولت إخباركم كيف بدأت ظاهرة "الإعجاز العددي" وظهورها أولاً في أمريكا على يد شيخ يدعى رشاد خليفة ادعى وجود معجزة تتعلق بالرقم 19 (أثبت زيفها وعدم صحتها في الجزء الأول من هذا المقال)...

وبعد الشيخ رشاد ظهر مؤلفون وباحثون نهجوا على نهجه مثل عبد الرؤوف نوفل، وعبد الدائم كحيل، ونهاد جرار اعتمدوا على عدم تحقق الناس من ادعاءاتهم ومراجعتهم للقرآن بأنفسهم!!

وكي لا يشملنا التعميم دعونا نفند الرسالة المنتشرة هذه الأيام-بخصوص الإعجاز العددي في القرآن- ووصلتني شخصياً من مصادر مختلفة عبر الواتساب...

ففي الفقرة الأولى من الرسالة يدعي المؤلف أن القرآن الكريم ذكر الرجال24 مرة والنساء24 مرة!

... وهذا الادعاء غير صحيح بالمرة حيث وردت كلمة "النساء" في القرآن 38 مرة (وترتفع لأكثر من ذلك في حال احتسبنا الاشتقاقات التابعة لها مثل نسوة ونساؤكم ونساءنا) أما كلمة "الرجال" فتكررت 17 مرة فقط (ترتفع لأكثر من 24 في حال احتسبنا الاشتقاقات التابعة لها مثل رجالكم ورجلا ورجلين ورجالا).

وفي الفقرة الثانية من الرسالة ادعى المؤلف أن القرآن الكريم كرر كلمة العقاب 117 مرة وكلمة المغفرة 234 مرة (أي الضعف)...

... وهنا لم يحاول المؤلف مساواة الكلمتين (كما فعل في الفقرة الأولى) ولكنه تلاعب بالاشتقاقات كي يخبرنا أن تكرار كلمة العقاب أتى (نصف) كلمة المغفرة لأن مغفرة الله ضعف عقابه رغم أن الله يضاعف لمن يشاء بغير حساب..

أيضا أدعى أن البحار ذكرت 32 مرة والأرض 13 مرة (بما يتفق مع نسبة الماء الى اليابسة)!!

... وأنا كنت سأصدقه لو أخبرنا أن كلمة البحار ذكرت 70 مرة والأرض 30 مرة (بحسب نسبتها على سطح الكوكب) ولكنه دخل في حسابات معقدة تعتمد على علاقة الرقمين32 الى13 .. الخاطئين أصلا..

أيضا ادعى أن كلمتي الناس والأنبياء ذكرتا 50 مرة بالتساوي...

... ولأن المؤلف لم يجد ما يقابل كلمة "الأنبياء" اختار بلا سبب وجيه كلمة "الناس" (التي لا توازي كلمة "الأنبياء" لا من حيث المنزلة ولا من حيث عدد البشر).. والأسوأ من هذا ؛ أنه تلاعب مرة أخرى بالاشتقاقات حذفا وإضافة...

وأخيرا وليس آخرا؛ ادعى المؤلف أن الشيطان ذكر في القرآن 88 مرة والملائكة 88 مرة ...

... وأكاد أجزم أنه بحث أولاً عن كلمة "الشيطان" ليضعها مقابل كلمة "الأنبياء" في الفقرة السابقة.. وحين لم تسعفه المحاولات بحث لها عن كلمة مضادة فاكتشف كلمة "الملائكة".. المشكلة أنه لايجيد الحساب أصلاً كون كلمة "الشيطان" وردت في القرآن دون اشتقاقات 68 مرة فقط وكلمة "الملائكة" تلاعب باشتقاقاتها ليصل للرقم المنشود..

... أعزائي، ألا ترون ماذا يحدث هنا !؟

هناك من يعبث بآيات القرآن ويغربل كلماته بهدف العثور على (أي) تساو أو تضاعف أو تشابه أو تقابل يخلق علاقة مميزة بالكلمة الأخرى..

هناك من لا يتردد- رغم تقديم نفسه كشيخ أو باحث - في تنويع الحجج وفبركة العلاقات والتلاعب بالاشتقاقات والعزف على عاطفتك النبيلة!

... وللمرة الأخيرة أحذر بأن الخوض في مسائل الإعجاز (بكافة صورها) لا تخدم القرآن، ولا فكرة الإعجاز، وترتد ضدنا طال الزمان أو قصر...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...