حين اخترع الإنسان الطائرة اخترع معها فكرة الرؤية من الأعلى..
وبعد أن كان يحسد الطيور على رؤيتها الثلاثية للعالم أصبح يتمتع مثلها بذات النظرة..
وبعد أن كان يرسم خرائطه بطريقة مسطحة وأبعاد خاطئة أصبح بإمكانه رؤية التضاريس من الأعلى ورسمها بتطابق تام!!
.. ولكن ...
رغم عدم تمتع الحضارات القديمة بميزة الطيران والتصوير الفضائي وجوجل إيرث، إلا أن ميزة الرؤية من الأعلى لم تكن خافية عليهم.. بل وحاولوا جهدهم الاستفادة منها...
وهناك عالمة آثار أمريكية تدعى مورين كليمونز افترضت أن الفراعنة استعانوا بمناطيد الهواء الساخن لرفع حجارة الاهرامات.. وخرجت بهذه الفكرة حين شاهدت لوحة فرعونية يظهر فيها مجموعة من الرجال (على الأرض) يمسكون مجموعة حبال تمتد إلى كرة تظهر في أعلى اللوحة.. لم تفهم في البداية طبيعة الكرة حتى رأت بينهم ناراً موقدة فأيقنت أنها منطاد هواء ساخن استعان به الفراعنة لحمل الحجارة الثقيلة الى أعلى الهرم..
وللتأكد من فرضيتها قامت بعدة تجارب رفعت خلالها حجارة بلغ وزنها 180 كيلوغراما حسب مقاييس الصورة في حين كان بإمكانها رفع أوزان أكبر بزيادة حجم الكرة..
وحين نشرت نتائج بحثها في مجلة نيوساينتست اتصل بها مهندس مصري يدعى مرتضى غريب (يعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا) مؤكدا وجهة نظرها. وخلال أيام بعث لها صوراً أخرى تظهر رجالاً يمسكون حبالاً تتصل بطائر ضخم في الأعلى ادعى أنها طائرة شراعية (تشبة التي يلعب بها الأطفال) ولكنها تبلغ من الضخامة حد قدرتها على حمل مسلة تزن 3,5 أطنان!!
وقبل أن نذهب أكثر؛ أشير إلى أن فكرة منطاد الهواء الساخن ليست صعبة أو حكراً على عصرنا الحديث.. صحيح أن الأخوة مونغولفيه صنعا أول منطاد هواء ساخن عام 1783 (بمنطقة آنوناي بفرنسا) إلا أن الهواء الساخن ذاته كان يرتفع الى الأعلى منذ بدء الخليقة!
لا يمكنني شخصياً تخيل أن الإنسان لم يلاحظ ارتفاع دخان النار أو شرار الحطب أو حتى رماد البراكين إلا عام 1783 .. فخلال تاريخ البشر الطويل كان لابد من وجود "شخص ما" في "مكان ما" فكر بحصر الهواء الساخن ضمن غلاف كروي مغلق ولو على سبيل الترفيه..
أما المؤكد فعلاً فهو أن الصينيين كانوا يطيرون بالونات القش الساخنة قبل مونغولفيه بوقت طويل ومايزالون يفعلون ذلك كجزء من احتفالاتهم الدينية!!
... وطالما سلمنا بحتمية ابتكار المنطاد الساخن دعوني أخبركم بمفارقة أخرى حدثت على الجانب الآخر من العالم: ففي البيرو توجد على الأرض رسومات حيوانية وأشكال هندسية عملاقة نفذتها حضارة النازكا قبل ألفي عام (يمكنك رؤيتها بإدخال كلمتي خطوط النازكا في صور جوجل).. وتبلغ هذه الخطوط من الضخامة حد امتداد بعضها لمسافة 28 كلم وعجز العين عن احتوائها أو رؤيتها بشكل متكامل إلا إذا نظرت إليها من علو شاهق / كنافذة الطائرة مثلا...
وهناك عالمة آثار ألمانية لا أتذكر اسمها حالياً افترضت في مطلع السبعينات استعانة سكان المنطقة بمناطيد هواء ساخن لتنفيذ خطوط بهذا الطول والاستقامة.. وفي عام 1974 أثبت طيار يدعى جيم ودمان أن هنود النازكا عرفوا فعلاً مناطيد الهواء الساخن (واستعملوها لتوجيه الفنانين على الأرض) وذلك حين طار بنفسه بمنطاد صنعه من خامات محلية يستعملها هنود البيرو حتى اليوم!!
أيها السادة:
في "مقال ما" أعربت عن اعتقادي بأن كولومبس كان آخر (وليس أول) من اكتشف أمريكا..
واليوم أعرب عن اعتقادي بأن الأخوة مونغولفيه كانوا آخر (وليس أول) من اكتشف منطاد الهواء الساخن!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق