الجمعة، 30 أغسطس 2019

لنتوقف عن التناسل قليلاً


كثيراً ما نتشكى - سواء في وسائل الإعلام أو مجالسنا الخاصة - من ضعف الخدمات وقلة المستشفيات وتكدس الفصول الدراسية.. ورغم أن هذا صحيح وواقع إلا أنني لم أسمع أحدا يتحدث عن دورنا نحن (الآباء) في خلق هذه الأزمة.. لم يتحدث أحد عن إفراطنا في الإنجاب واستباقنا لعجلة التنمية بكافة سرعاتها..

فحين تسبق "عجلة الإنجاب" "عجلة التنمية" تكثر معدلات الوفيات والفقر والبطالة، وتتفاقم أزمة السكن وفرص التعليم وتوفير رعاية صحية مناسبة.. أما حين تبطئ عجلة الإنجاب من سرعتها - أو تثبت كما في أوروبا - تتجه عجلة التنمية تلقائيا نحو القيمة النوعية ورفع مستوى الخدمات والمدارس والمستشفيات.. فحين يثبت عدد السكان لن تعود الدولة بحاجة لبناء المزيد من المدارس والمستشفيات فتتوجه الجهود الى رفع كفاءة الخدمات الصحية والتعليمية (لدرجة قد نصل يوما الى معدل مدرس لكل ثلاثة طلاب كما في اليابان وألمانيا)!

لا أحاول الدفاع عن الحكومة أو الوزارات المعنية ولكنني أطالب فقط الآباء والأمهات بتحمل نصيبهم من المسؤولية.. فماذا يعني أن ينجب أحدهم "درزينة" أطفال ثم يطالب غيره بعلاجهم وتعليمهم وتوفير وظائف لهم.. لماذا تتوقع من "غيرك" أن يهتم بإنتاجك الخاص في حين لا تقبل أنت فكرة الصرف على أطفال غيرك من تعليم وتأهيل ورعاية صحية - ناهيك عن منحهم مكافأة ووظيفة وابتعاثهم للدراسة في دولة متقدمة؟

نعم الحكومة عليها دور في توفير هذه الخدمات للشعب ؛ ولكن لاحظ أن حكومات الدول المتقدمة (التي نستشهد دائما بتطورها وتقدمها) تأخذ من الناس ضرائب مقابل توفير هذه الخدمات - ضرائب تتجاوز في فرنسا وبلجيكا والدنمرك وبريطانيا 43% من دخل الفرد!!

.. ليس هذا فحسب؛ بل لاحظ أنها تفعل ذلك رغم ثبات معدل التناسل فيها (بل بدأ بالتراجع في أسبانيا وايطاليا واليابان وروسيا) فلم تعد بحاجة لبناء المزيد من المدارس والمعاهد والمستشفيات..

أما نحن فما زلنا نتناسل بشكل سريع يصعب على أي وزارة اللحاق به..

مازالت عجلة الإنجاب لدينا ترفض السير بالتوازي مع عجلة التنمية وتدوس على كل انجاز جديد..

ولولا أن منّ الله علينا بثروة نفطية كبيرة لما نجحنا أبدا في استدراك التداعيات السلبية لتكاثرنا السريع..

فخلال الأربعين عاما الأخيرة ارتفع عدد السعوديين ثلاثة أضعاف - مقابل ثباته في الدول المتقدمة أصلا..

فحسب تعداد 1974 بلغ عدد السعوديين 6,218,361 نسمة

ثم ارتفع الى الضعف تقريبا عام 1992 ووصل الى 12,310,053 نسمة..

واليوم تجاوز عددنا (دون الأجانب) 22 مليون نسمة..

وفي المقابل انحسرت لدينا نسبة الجهل والأمية بنسبة 84% وارتفع متوسط العمر الى 75 سنة، وانخفضت وفيات الأطفال إلى 15 من كل 1000 ولادة..

وهذا يؤكد أن عجلة التنمية (والثروة النفطية) نجحت في إطالة متوسط العمر وخفض نسبة الوفيات - في حين اكتفت غرف النوم برفع عدد السكان إلى 22 مليون نسمة حتى أصبح 28% من سكان السعودية من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 14 سنة !!

أما الأسوأ من كل هذا فهو أن الفئات الأقل دخلاً وتعليماً هي الأكثر إنجابا وتكاثرا (وبالتالي) أقل قدرة على رعاية وتأهيل أبنائها..

.. على أية حال؛ لاحظ أنني لم أطالب رغم كل هذا ب"الحد من النسل" بل ب"عقلانية التناسل" وضبط سرعة الإنجاب بالتوازي مع عجلة التنمية..

ويا ليتكم تعودون لقراءة آخر مقال كتبته عن تجربة الصين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...