الجمعة، 30 أغسطس 2019

مبتعثونا ومتزامنة باريس


من أغرب الاضطرابات النفسية التي ثبت وجودها في السنوات الماضية مايسمى بمتزامنة باريس (والمتزامنة في لغة الطب مجموعة أعراض تأتي كحزمة واحدة)!

وهي اضطراب نفسي ناجم عن الصدمة الثقافية التي تصيب السائح الذي يزور باريس لأول مرة أو حين يصطدم بحقيقة أن المدينة الرومانسية التي طالما حلم بزيارتها هي في الواقع مجرد مدينة مزدحمة وفظة لا تعامل السياح بشكل لائق..

أما الأغرب من علاقتها بباريس فهو ارتباطها بالسياح اليابانيين بالذات كونه يصيب 2 من بين كل 10 يابانيين يزورون هذه المدينة (بحسب إحصائيات السفارة اليابانية التي تملك خطا ساخنا وطبيبا متخصصا لعلاج الحالات الطارئة).

ورغم أن هذا العارض يصيب أيضا بعض الجنسيات الأخرى، إلا أنه يلاحظ بنسبة كبيرة لدى اليابانيين كونهم يأتون من ثقافة شرقية مختلفة ولا يملكون أي خلفية تاريخية أو لغوية أو ثقافية مع المجتمعات الغربية. وهكذا يصابون بالتوتر والإحباط وتداعيات الصدمة أكثر من غيرهم (وأعتقد شخصيا أن ردود الفعل تتفاقم لديهم بسبب طبيعتهم الخجولة، وانعدام لغة التواصل، وعدم مهارتهم في إقامة العلاقات الفردية بدليل سيرهم في الخارج ضمن مجموعات كبيرة تحت إمرة مرشد يأتي من اليابان)!!

واليوم تعترف جمعية أطباء النفس العالمية بهذا الاضطراب وتطلق عليه اسم متزامنة أو سندروم باريس وبالفرنسية Syndrome de Paris.. وهو اسم يطلق على حالات الاكتئاب والصدمة (المترافقة مع ضيق التنفس وقلة الكلام) التي تصيب الانسان حين يصطدم بواقع ثقافي مغاير أو مخالف لما تصوره مسبقا.

وما ذكرني اليوم بهذه المتزامنة تقرير للأخت نوير الشمري (في الاقتصادية 11 أكتوبر 2013) تحت عنوان "السعوديات المبتعثات أقل عرضة للانفصام من الشباب".. ويتحدث التقرير عن تزايد حالات الانفصام بين الطلبة المبتعثين في الخارج نتيجة الصدمة الثقافية (أو ربما الذهنية) التي يواجهونها في الخارج..

وما لفت انتباهي على وجه الخصوص قول الدكتور محمد بن محسن رئيس مركز الاستشارات بمجمع الأمل:

"إن حالات من انفصام الشخصية ظهرت لدى السعوديين المبتعثين إلى الخارج نتيجة الصدمة الحضارية والثقافية والاجتماعية التي واجهتهم في بلدان الابتعاث. وطالب أسر الطلبة بتهيئة أبنائهم قبل الابتعاث كون برامج التهيئة لوزارة التعليم العالي تقتصر على تعريف المبتعثين بالحقوق والواجبات والقوانين في بلد الابتعاث وأخرى بالجوانب الدينية، موضحاً أن المبتعثين خاصة صغار السن يحتاجون إلى دورات عن المهارات التفاعلية والذكاء الاجتماعي وتقبل الآخر والاندماج في ثقافتهم مشيراً إلى أن الطلبة الذكور أكثر إصابة من الطالبات بالانفصام كون الفتيات السعوديات أقوى في مواجهة التغيرات الثقافية والاجتماعية من الطلاب في بلدان الابتعاث".

وهذا التصريح يكفي وحده للتساؤل ما إن كانت "متزامنة باريس" مجرد مقدمة قد تتطور لدى بعض الطلاب الى مرض خطير كانفصام الشخصية!؟

للأمانة؛ أشير الى أن التقرير بحد ذاته لا يتعلق بالطلبة المبتعثين، بل بتفاقم حالات الانفصام بين السعوديين عموما وبنسبة تزيد مرتين على المعدل العالمي (!!!). وحين تقارن عدد الحالات الموجودة في الداخل تدرك أنها لا تصل لدى مبتعثينا الى مرحلة الظاهرة ولا تتجاوز النسبة المتوقعة في الخارج!

ورغم عدم تخصصي في هذا المجال؛ أفترض أن احتمالات الإصابة ترتفع بوجه خاص بين أبناء الأسر المحافظة (ممن لم يتعرفوا طوال حياتهم على ثقافة مغايرة أو بيئته مختلفة) أكثر ممن سافروا منذ طفولتهم أو تعرفوا على جنسيات وثقافات عالمية متنوعة.

أما بخصوص عنوان التقرير "السعوديات المبتعثات أقل عرضة للانفصام من الشباب" فلم أكن بحاجة لقراءته كوني اكتشفت هذه الحقيقة بنفسي..

فكلما رأيت عائلة سعودية في الخارج ألاحظ ثبات الأم والبنات (والتزامهن بذات اللباس المحتشم).. وفي المقابل يتحول الأب والأبناء الى مجموعة مهرجين يلبسون الشورتات، وينتعلون الصنادل، ويتركون شعورهم كالعهن المنفوش!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...