الخميس، 29 أغسطس 2019

خرافة الصليب المعقوف


الصليب المعقوف (رمز النازية ورعب اليهود في العالم) عرف قبل هتلر بزمن طويل واتخذ رمزا للذكاء والتفوق العرقي لدى جماعات كثيرة حول العالم حتى قبل ظهور الصليب المستقيم شعار المسيحية هذه الأيام .. فقد كان مثلا رمزا لآلهة الحرب وتعويذة لجلب النصر لدى الفايكنج . كما كان رمزاً للشمس وقوة الحياة في الهند ويشاهد حتى اليوم في معابد الهندوس. وسبق للقبائل الجرمانية القديمة (التي ينحدر منها الشعب الألماني الحالي) ان اتخذته شعاراً يميِّزها عن "القبائل البربرية" المجاورة وكان رمزاً لأعظم آلهتهم .‍‍. وحتى بداية الأربعينات كان الصليب المعقوف يوزع "كأنواط شجاعة" على الجنود في بريطانيا وفرنسا وأمريكا .. أما في ألمانيا فحتى تأسيس الحزب النازي اتخذ رمزا لجماعة مشعوذة أسسها قس منحرف يدعى "غيرفون" كان ينادي بتفوق الأمة الألمانية ويدعو لنبذ المسيحية والعودة لعبادة آلهة الألمان القديمة…

وبعد تأسيس الحزب النازي (عام 1919) كان لابد من اتخاذ شعار للحزب يعبر عن مبادئ الفاشيين الألمان. وكان المطلوب شعارا قويا ومؤثرا ينافس "المطرقة والمنجل" الرمز الشهير للأحزاب الشيوعية المنافسة في أوربا وروسيا.. وفي مسابقة عامة تم اختيار شعار تقدم به طبيب أسنان عبارة عن صليب معقوف باللون الأسود على أرضية بيضاء محاطه باللون الأحمر . وقد تمت الموافقه بالإجماع على هذا الشعار كما نال تأييد ومباركة هتلر شخصيا ..

وفي الواقع أثبت هذا الطبيب ذكاء كبيرا لأنه أعاد للأذهان دلالات قديمة تتوافق تماماً مع معتقدات الحزب النازي .. وكان لدى هتلر نفسه ما يدعو للوقوع في غرام الصليب المعقوف حيث كان من أشد المعجبين بآراء فيلسوفة ألمانية تدعى "فلافا سكتي" ساهمت في تشكيل أفكاره العنصرية حول الشعوب الأخرى . فقد كانت ترى أن لكل أمة عصرها الذهبي الذي تتفوق فيه وتسخر خلاله الأمم الأخرى . ونتيجة لحسابات خاصة بها استنتجت أن الزمن الذهبي للأمة الألمانية والعرق الآري على وشك الظهور وأنها ستتخذ لها شعارا قديما يدعى سوازتكا (الاسم القديم للصليب المعقوف) ..

ولم يقتنع هتلر فقط بآرائها بل اعتبر نفسه نبي العصر الجديد والقائد الذي على يديه سيدوم الرايخ الثالث لألف عام – قبل أن تتسلم زمام الأمور أمة أخرى .. وكان مؤمناً بأنه سيعيد أمجاد أسلافه الجرمان، وكان يخطط للتدرج بالشعب الألماني لهجر المسيحية واعتناق دين آري قديم يدعو إلى تعظيم الوطن شعاره ال"سوازتكا" . ففي كل عام كان يحيي احتفالا وثنيا قديما في موعد الانقلاب الشتوي ترفع خلاله الصلبان المعقوفة ويغني فيه شبيبة الحزب النازي: " لن يمنعنا قس من الشعور بأننا أبناء هتلر… لن يمنعنا أحد من تبجيل الصليب المعقوف"…

على أي حال بعد هزيمة ألمانيا وعجز الرايخ الثالث عن الاستمرار لأكثر من عشر سنوات أصبح للصليب المعقوف دلالات سيئة وارتبط في أذهان الجميع بالنازية والعنصر واضطهاد الشعوب الأخرى.. ومنذ ذلك الحين لم تعد المؤسسات العسكرية توزعه على جنودها ومنعت محلات الصياغة في نيويورك وباريس عن بيعه كقلائد وحلقان لأي كان!

وهذه الأيام ليس بالضرورة أن ينتسب كل من حمل صليبا معقوفا الى حزب أو جماعة نازية.. فالرمز ذاته يعود لأكثر من ألفي عام وأصبح يحتل مساحة شاسعة ومكانة متقدمة في عالم تحكمه الشعارات والرموز وصراع الأفكار المتطرفة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...