الأربعاء، 28 أغسطس 2019

سلسلة الزمن الجميل


كثيرة هي الأشياء التي تزيد قيمتها (وغلاوتها في قلوبنا) بمرور الزمن وطول العشرة. وهذا ما يفسر الارتفاع المتواصل في قيمة كل ما يصبح عتيقاً كالكتب واللوحات والسيارات والتحف والأثريات.. والزوجات..

وفي مكتبتي الشخصية أميز بين نوعين من الكتب الأولى (جديدة نسبيا) يمكنني إعارتها تحت الضغط المناسب - خصوصا في ظل علمي بإمكانية شراء بديل لها عند اللزوم..

أما النوع الثاني فكتب "قديمة" لا أقبل إعارتها مهما بلغت الضغوط والإغراءات كونها رافقتني منذ الطفولة وتحمل ملاحظاتي وخربشاتي منذ المرحلة الابتدائية - ناهيك عن أنها أصبحت تحتاج لعناية واحترام لا يمكن لغيري تقديمهما..

وحتى يومنا هذا تتفجر داخلي ذكريات الطفولة كلما وقعت عيني على النوعية الثانية وأشعر بحنين لأصدقاء كنت أتبادلها معهم في الماضي..

ولو سألتني اليوم عن أبرز كتبي العتيقة فلن أقدم لك عناوين فردية بل "سلاسل" معرفية كانت تصدر للأطفال ولم تعد موجودة للأسف هذه الأيام:

فهناك مثلا "سلسلة ليدي بيرد" التي كانت تناقش جوانب مختلفة من العلوم والمعرفة.. وهي بمثابة كتيبات مصورة للأطفال كانت تصدر من انجلترا وتترجم وتطبع في لبنان.

وكانت تتفرع الى مجموعات أصغر؛ مثل مجموعة كيف تعمل (الطائرة والصاروخ والتلفزيون) أو الحضارات القديمة (كالفرعونية واليونانية والصينية) أو العالم من حولنا (كالهواء والفضاء والحياة تحت الماء).. ورغم أنها كانت تباع بأربعة ريالات (وهو سعر مرتفع بالنسبة لطفل يعيش في تلك الفترة) امتلكت منها في النهاية أكثر من 140 عددا.. ورغم أنني كنت أحرم نفسي من أشياء كثيرة لاقتنائها لم أندم يوما على شرائها!!

أما السلسلة الثانية فتصدر من دار الملايين في لبنان وتدعى "الناجحون" وتستعرض بأسلوب رشيق سير العباقرة والعظماء (من الشرق والغرب).. فكما تتضمن سير أديسون وديفنشي وباستير وموزارت، تتضمن أيضا سير المتنبي وخالد بن الوليد وصلاح الدين والحجاج بن يوسف.. كنت أقرأها بانتظام لدرجة بدأت أعتقد أن عظماء العالم من أفراد عائلتي.. والأسوأ؛ تصديقي بمفعول المقولة الثابتة على غلافها الخارجي: "النجاح يجلب النجاح فتعرّف على الناجحين تصبح مثلهم"!!

أما السلسلة الثالثة فلا أدعي أنها بأهمية الأولى والثانية ولكنها بالتأكيد صاحبة الفضل في جذبي لعالم القراءة وانتزاعي من عالم التلفزيون.. كانت سلسلة ألغاز بوليسية مخصصة للأولاد تصدر شهريا من دار المعارف في مصر. كانت تتضمن خمسة أبطال في سن الطفولة هم "عاطف"، و"لوزة"، و"محب"، و"نوسة" والعقل المفكر "طارق" الملقب ب(تختخ) بسبب سمنته الواضحة.. كانت جاذبيتها مستمدة - ليس من عنفها أو تطرفها - بل من تركيبتها الذكية وسلسلة الأحداث الغامضة التي تقتضي حلها من "المغامرين الخمسة" قبل تقديمها للمفتش "سامي"!!

.. ولا أبالغ إن قلت إن هذه النوعية من الكتب ساهمت في تربية أبناء جيلي وجذبهم الى عالم القراءة وساعدتهم - بدون أن يشعروا - على اقتحام مجالات معرفية أكبر وأوسع.. ولأنها الأصل الذي انطلقت منه وتأسست عليه أرجو ممن يملك شيئاً منها أن يتواصل معي - أو يتكرم ببعثها كهدية!

.. وفي الحقيقة؛ لا أتحرج من طلبها كهدية كون أبنائك مختطفين هذه الأيام من الانترنت وترهات التواصل الاجتماعي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...