السبت، 31 أغسطس 2019

هل يختفي الإيميل أيضا؟


أصبحنا نعيش في عصر تتوالد -وتموت فيه- التقنيات الحديثة بسرعة كبيرة.. فحين تعود بذاكرتك لبضع سنوات فقط تكتشف أن عدداً كبيراً من الأجهزة (التي كان الناس يتباهون بحملها) لم تعد موجودة اليوم.. فهواتف السيارات اللاسلكية اختفت لصالح الجوالات المدمجة، والكاميرا التقليدية اختفت لصالح الكاميرا الرقمية المدمجة، وتقنيات البث الأرضي انحسرت لصالح البث الفضائي، وأجهزة التلفزيون الضخمة لصالح لوحات البلازما الرقيقة.. وقبل هذا كله انقرضت (اسطوانات الأغاني) لصالح (الشريط المغناطيسي)، والذي انقرض بدوره لصالح (أقراص الليزر) التي ستختفي بدورها لصالح ال mp3 وأجهزة الأيبود المدمجة!!

ورغم أهمية الإيميل (وعمره القصير) إلا أن الخبراء يتوقعون اختفائه أيضا لصالح شبكات التواصل الاجتماعي.. صحيح أنه سريع وفعال، ولكن عادات المستخدمين تحولت بسرعة لصالح التواصل اللحظي والمباشر من خلال تويتر والفيسبوك -ناهيك عن برامج الدردشة عبر الجوالات والأجهزة اللوحية الصغيرة-، فابتكار الهواتف المدمجة والكمبيوترات اللوحية وفّر علينا الذهاب إلى حيث توجد كمبيوتراتنا الضخمة (والثابتة داخل البيوت ومقارّ العمل) لفتح بريدنا الإلكتروني أو التأكد من آخر الرسائل الواردة إلينا!

.. ومن جانب آخر لا ننسى أن برامج التواصل الاجتماعي أصبحت تستعين حاليا بخدمات تحديد المواقع (Location Based Services التي تُعرف اختصاراً ب LBS) بحيث يمكن للمرسل والمتلقي معرفة مواقع وتحركاتك بعضهم البعض.. فاليوم مثلاً قد تخاطب صديقك عبر الشات وتسأله: "أين أنت"؟ فيرد عليك: "في الكافيه"، فتقول "لماذا لم تخبرني؟"، فيقول "لم تكن على النت"، فتقول "حسنا، انتظرني، سأتيك بعد نصف ساعة".. ولكن حين تستعين بتقنية LBS ستتابع تحركاته دون علمه بحيث تختصر الحوار السابق بجملة واحدة فقط: "شايفك يانذل، رحت الكافيه بدوني، دقيقتين وأنا عندك".

وتوفر تقنية كهذه يعني قدرتنا على تحديد مواقع كل من نعرف أرقامهم وعناوينهم كالأصدقاء والأقرباء والعاملين لدينا -بل وتحديد مواقعنا نحن في حال تهنا أو تعرضنا لحادث بعيد-!!

ورغم أنّي شخصيا أحب الإيميل -وأكره تويتر والفيسبوك- إلا أنّي أعترف بأن الجمع بين تقنية تحديد المواقع، وبرامج التواصل اللحظي ميزةٌ لا تصب في صالح "الإيميل" حيث تنتظر الرسائل فترة طويلة قبل قراءتها، ناهيك عن عدم معرفتنا بموقع أو هوية مرسلها!!

.. أيضا من المزايا التي ترجح شبكات التواصل الاجتماعي على البريد الإلكتروني، هو احتواء الأخير على كم هائل من الرسائل الدعائية وغير المرغوب فيها -بحيث تعثر على رسالة واحدة تهمك ضمن مئة لا تهمك ولا تعرف أصحابها- أضف لهذا أن كثيراً من رسائل الإيميل قد تحمل فيروسات أو برامج اختراق (حيث اتضح أن أكثر من 74% من مشاكل الفيروسات ناجمة عن فتح رسائل أتت لأصحابها من خلال الإيميل).. وفي المقابل لا تتضمن برامج التواصل الاجتماعي أياً من هذه المشاكل، كونك تتواصل فقط مع من تريد وترغب -وهذا بحد ذاته يحمي جهازك من العطب، لصعوبة تلقيك فيروسات من مصادر تعرفها وتثق بها-!

.. على أي حال،

أنا شخصيا لا أعتقد أن الإيميل سيتوفى (مثل البيجر أو شريط الفيديو) ولكنه سيتراجع إلى حدود الُمكاتبات الرسمية والتعاميم الإدارية ومراسلات ما وراء البحار.. وفي حين سيتراجع كثيراً في المراسلات الشخصية، وسيظل قوياً في مجالات معينة كالإعلام والسياحة والدعاية والترويج التجاري!!

.. وأياً كان الحال، قد يهمك معرفة إيميل الرئيس الأمريكي قبل اختفائه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...