الخميس، 29 أغسطس 2019

آلية التوقف الغامضة


حين تراجع نفسك تكتشف وجود أسئلة معلقة تبقت لديك منذ الطفولة.. لا أستطيع الجزم بطبيعتها - كونها تختلف من شخص لآخر - ولكن "طول العشرة" تجعل كل شخص يعتقد أنه أول من اكتشفها وتساءل عنها.

شخصي المتواضع مثلا يملك أسئلة طفولية كثيرة بعضها تمكنت من معرفة إجابته، والبعض الآخر مازال ينتظر، في حين أجزم أنني سأموت قبل معرفة البقية..

ولأنها "طفولية" لابد تمزج بالضرورة بين البساطة والعبقرية وحيرة الكبار أمامها.. لماذا مثلا تنمو بعض أعضائنا الى حد محسوب لا تتجاوزه؟.. لماذا مثلا تتوقف أسناننا عند طول معين ولا تستمر بالنزول بلا نهاية!؟.. وحين تسقط شعرة من حواجبنا أو رموشنا أو شواربنا لماذا تعود للنمو بسرعة قبل أن تتوقف عند مستوى أخواتها!؟.. وحين نتعرض لجرح طولي عميق لماذا يتمدد الجلد بسرعة حتى يتوقف ويلتحم عند خط محدد وأنيق!؟

هذه الأمثلة دليل على وجود آلية غامضة في جسم الانسان تمنعه من النمو بلا ضابط وتأمره بالتوقف عند حدود معلومة وأطوال مُبرمجة..

وما يزيد الأمر تعقيدا أن هذه الميزة تتوفر لبعض الأعضاء في حين تنعدم في أعضاء أخرى من الجسم نفسه؛ ففي حين يتوقف مثلا شعر الشارب (والجفن والحاجب) عند خط معين، يستمر شعر اللحية والرأس بالنمو بلا نهاية!!

وحين تنكسر لديك عظمة داخلية يتمدد الطرفان المكسوران حتى يلتحما (ويتوقفا نهائيا عند خط تلامسهما) ولكن حين ينكسر لنفس الشخص سن أو ضرس سليم لايعاود النمو ولايرجع لشكله السابق رغم أنه مكون من المادة!!

وفي الأسنان ذاتها من غير المفهوم الى الآن لماذا يتم تعويض الأسنان اللبنية في سن السابعة (وهو وقت مبكر جدا) في حين لايتكرر الأمر في سن الستين أو السبعين أو الثمانين حيث نكون في أمس الحاجة لأسنان جديدة!!

وعلى ذكر الأسنان؛ مازلت أذكر رجلا في حي الصانع بالمدينة استمرت أسنانه بالنمو حتى نزلت الى مستوى ذقنه.. وبدل أن يسترها بعمامة أو قطعة قماش كان يشوصها بالمسواك صباح مساء من نافذة منزله (وهو ما كان يسبب الرعب لأطفال الحارة).

وكنت أظنه فريدا من نوعه حتى قرأت لاحقا عن المزارع فيدورتيس من تشيلي الذي احتل مكانة مميزة في عالم الطب في ثمانينات القرن العشرين.. ففي حين نمت جميع أعضائه بطريقة طبيعية ومتناسقة استمرت كفه اليمنى بالنمو بلا توقف حتى أصبحت بحجم البطيخة - وأصابعه بحجم الخيارة الضخمة. وأمام عجز الأطباء عن مساعدته استمرت يده بالنمو والتضخم حتى توقفت من تلقاء ذاتها في سن الرابعة والثلاثين!!

أما كتاب جينيس للأرقام القياسية (طبعة 2005) فيتحدث عن مواطن صومالي يدعى حسن باساد استمرت كلتا يديه بالنمو حتى وصل طولهما إلى 27سم - من مفصل الكف وحتى نهاية الأصبع الأوسط!!

وحالات كهذه تعد من قبيل الشذوذ الذي يؤكد القاعدة ويخرجنا بين الحين والآخر من دائرة المسلمات والمفروغ منه..

وحتى نعثر على تفسير لها، إليكم سؤالا طفوليا آخر أتعبت به والدتي:

لماذا لا تتوقف أظافرنا عن النمو وتريحنا من رعب "القصاصة"!؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...