الخميس، 29 أغسطس 2019

الحبس الكريم


في كثير من الدول ظهر مايعرف بالسجون الإنسانية كطريقة كريمة وجميلة لتأهيل الخارجين عن القانون؛ فالنظرية الجديدة تقول ان السجون العادية تحط من كرامة الانسان وتلقنه المزيد من السلوك الاجرامي. أما التعامل مع السجين على انه "نزيل محترم" فيخفف من ردود فعله السلبية تجاه المجتمع ويتيح تأهيله بسهولة. وعلى هذا الاساس ظهرت سجون نموذجية تتميز برفاهية غير معتادة وطريقة راقية في التعامل - وفي نفس الوقت تراعي أهمية حماية المجتمع المدني من ممارسات السجناء المحتملة!!

ففي مدينة ساليز السويسرية مثلا هناك 140 سجينا نموذجيا اثبتوا نجاح هذه الفكرة؛ فعلى أساس الثقة يعطى كل سجين مفتاح زنزانته ويسمح له بالخروج والعودة خلال ست ساعات (لا أكثر) يصبح بعدها هاربا ومطاردا من القانون.. وهكذا يمكن للسجناء الاختلاء بزوجاتهم وزيارة عائلاتهم وحضور حفلات الزواج والتخرج والوفاة.. وفي الظاهر لايبدو أي اثر لمظاهر القوة او الحراسة المشددة؛ غير ان سجن ساليز لايقبل غير المدانين (لأول مرة) ويعطي نقاطا لكل سجين تتناقص مع كل مخالفة.. وحين تنحدر النقاط الى حد معين (وهذا ما يتحاشاه أي سجين) ينقل فورا الى سجن مشدد الحراسة ويحرم من التجربة مجددا!!

ونفس الفكرة يتم تطبيقها حاليا في بعض سجون الدانمرك وبريطانيا وبلجيكا واليونان.. وفي اليونان السجن النموذجي عبارة عن مزرعة ضخمة تتيح للمساجين زراعة الأرض وتربية الخراف وتكوين ثرواتهم الخاصة. أما في بلجيكا فتسمح السجون لأصحاب السلوك الحسن بالخروج لممارسة أعمالهم اليومية والعودة بعد نهاية الدوام وفي نهاية الاسبوع يقضون نفس الوقت مع أسرهم!!

ومن خلال التجربة اتضح لخبراء التأهيل أن نزلاء هذه السجون نادرا ما يخونون الثقة التي اعطيت لهم أو يعودون الى جرائمهم السابقة. كما وجدوا ان المعاملة الكريمة تخلق ردود فعل ايجابية تجاه المجتمع وتخفف من حوادث الشغب والانفعالات الحادة !!

ورغم أن أمريكا هي الدولة الأكبر عالميا من حيث عدد المساجين بالنسبة للشعب إلا أن تكدس السجون فيها جعلها تعتمد على اساليب بديلة وناجحة مثل: "التوقيع يوميا في مخفر الشرطة" أو "إطلاق السراح المشروط" أو "الحبس في المنزل".. وفي حال خالف السجين الاتفاق في أي من الحالات الثلاث يتم نقله فورا الى السجن العادي لإكمال بقية المدة خلف القضبان..

وقد أثبتت هذه الطرق نجاحها في حالات كثيرة واتضح من خلالها أن بقاء السجين داخل منزله أكرم له ولأهله ويحميه ويحمي المجتمع من تداعيات احتكاكه بالمجرمين!!

والآن..

ما المانع من تجربة كافة الطرق السابقة في مجتمعنا المحلي- خصوصا مع أصحاب الجنح ومن خالفوا القانون لأول مرة.. فكروا معي أي الطريقتين أكرم وأفضل لكافة الأطراف:

حبس المدان تحت حراسة مشددة ومعاملة سيئة وبيئة تعج بالمجرمين/ ثم إطلاقه الى مجتمع مدني مسالم وفي صدره كل الغل والحقد!؟

أم حبسه ب"طريقة إنسانية" و"سجن نموذجي" حيث الاحترام، والثقة المتبادلة، والبيئة العائلية المحبة، ثم الخروج لمجتمع لم يتنكر له أو ينفصل عنه لسنين!؟

القضية باختصار هي:

احبس بريئاً يتخرج مجرماً، واحبس مجرماً يتخرج رئيس عصابة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...