الجمعة، 30 أغسطس 2019

الصمت.. أكبر لغة في العالم


لو غرقت سفينة ونجا منها شخصان على جزيرة، هل سيمنعهما ذلك من التواصل حتى لو لم يعرفا لغة بعضهما البعض!؟

هل الجهل باللغة المحكية يمنع خادمتك الفلبينية من التفاهم مع خادمتك أو خادمتك والدتك الأندونوسية أو الهندية؟

هل يحتاج العاشقان (حين يلتقيان بعد طول غياب) للكلام أصلا أو الحديث بلغة مشتركة للتعبير عن مشاعرهما الجياشة؟

الجواب دائما (لا)...

بل ان أحمد شوقي أجاب عن سؤالنا الأخير بقوله:

وتعطَّلَتْ لغةُ الكلامِ وخاطبَتْ // عَيْنَيَّ في لغة الهوى عيناك

أما السر فيكمن في أن 60% من تفاهمنا مع الآخرين يتم بطريقة صامتة عبر الإشارات وملامح الوجه و25% من خلال تنبؤنا بما يريد الطرف الآخر فعله أو قوله في حين تتكفل "الأصوات" و"الضحكات" بالباقي!

ودراسة لغة الإشارات والحركات الصادرة من الجسم أصبحت علماً حديثا رغم أنها تاريخيا أقدم من أي لغة محكية. فقد كانت تتم بطريقة صامتة (وبنسبة أكبر بين الناس) بسبب محدودية اللغات القديمة وقلة الأصوات المنطوقة فيها.

ويقول أحد رواد هذا الحقل ويدعى "راي بيردستل" إن هناك 250 ألف حركة مشتركة تصدر من الوجه واليدين تستعملها شعوب العالم للتواصل والتعبير. كما يعتقد أن هناك أكثر 700 ألف إشارة جسدية (بعضها غريزي والآخر مكتسب) يفهمها أبناء المجموعة الواحدة‍ دون الحاجة لقول شيء مسموع فعلا!

وفي حين تعد الإيماءة والابتسامة والغضب وملاح الوجه لغة عالمية مشتركة؛ تختلف معاني الإشارات من شعب لآخر بطريقة قد تسبب الكثير من المواقف الطريفة والمحرجة على حد سواء. فإن كنت في اليابان مثلاً وأشرت إلى ذاتك بالسبابة سيفهم الشخص المقابل أنك تود الذهاب إلى الحمام. ولكن هذه الحركة تعتبر في كوريا علامة على التحدي وطلب القتال.. أما صنع دائرة بالإبهام والسبابة مع فرد بقية الأصابع فتعني في أمريكا أن كل شيء على ما يرام (OK) إلا أن هذه الحركة تعتبر "قذرة" في إيطاليا وتركيا واليونان وقد تؤدي للشجار.

ورغم أن الإشارات وسيلة قديمة للتفاهم - قدم الإنسان نفسه - إلا أنها في العصور الأخيرة قننت كوسيلة للتفاهم مع الصم.. وقد تمت أولى المحاولات لكسر "حاجز الصمت" مع هذه الفئة في القرن السادس عشر على يد الإيطالي جيروم كاردان. فقد كان هذا الطبيب يؤمن بإمكانية الاتصال بفاقدي السمع عن طريق أبجدية خاصة ترسل كإشارات. ورغم أن محاولة كاردان لم تكلل بالنجاح، إلا أن فكرته أثارت الانتباه وشجعت على المزيد من المحاولات.. وخلال القرون التالية تعرضت لغة الإشارات إلى الإضافة والاختصار حتى أمكن للأصم حاليا (التحدث) بمعدل 130 كلمة في الدقيقة (ومشاهدة) الأخبار عبر مترجم خاص للغة الإشارات.. واليوم تعد هذه اللغة الصامتة ثالث أكثر اللغات استخداما في أمريكا بعد الانجليزية والاسبانية واللغة الأكثر عالمية وانتشارا في القنوات الاخبارية (التي قد تتحدث لغات مختلفة ولكنها تشترك في لغة الإشارات ووجود رجل يترجمها ضمن مربع صغير)!

وكل هذا يثبت أن "الصمت" ليس فقط لغة قائمة بذاتها، بل ولغة عالمية مشتركة يفهمها جميع البشر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...