الخميس، 29 أغسطس 2019

يزورون فرنسا ولا يرون الفرنسيين


حين دخلت الانترنت السعودية لأول مرة تعرفت على صديق ياباني (عبر الميكروفون)..

ومن خلال حديثنا قال لي: يبدو أنك تعرف الكثير عن اليابان هل زرتها من قبل؟

ورغم أنني زرتها بعد ذلك بأعوام إلا أنني - في ذلك الوقت - أجبته: لم أزر اليابان إلا أنني أعرف عنكم أسرارا لاترغبون بنشرها

سألني مستغرباً: عن أي أسرار تتحدث؟

قلت: مثلا ما ان يتحرك القطار مسافة مترين حتى تغطون في نوم عميق..

ضحك ملء شدقية (أو هكذا تصورته خلف الكمبيوتر) وقال لي: صحيح هذا الظاهرة حيرتنا حتى نحن في اليابان!!

قلت: وهل أخبرك بسر آخر!؟

قال: طبعا.. وماذا بعد؟

يتحرك معظمكم بشكل مجموعات..

لم يشأ الفهم فاستطردت قائلا: لنفترض ان هناك مجموعة من الأصدقاء في العمل؛ تجدهم في الغالب يتحركون ويتنزهون وقد يتسوقون بشكل جماعي!!

وهنا اصبح الرجل جادا فقال: اخبرني يا فاأأد (ويقصد يافهد) هل زرت اليابان من قبل!؟

أخبرتك، ليس بعد؛ ولكنني زرت دولا عديدة ودهشت لكثرة السياح اليابانيين ومشيهم في جماعات في كل مكان أذهب إليه!!

.. وبالفعل أيها السادة يعتبر السياح اليابانيون الأكثر عددا وانتشارا ولطالما اعتبرتهم أصدقاء سفر.. ولا أبالغ إن قلت إنهم قد يشكلون لوحدهم 90% من كل رحلة تنظمها المكاتب المحلية في الدول الأجنبية..

ويعود السبب في ذلك إلى تمتعهم بدخل مرتفع (ترخص أمامه حتى الدول الغربية)..

أضف لهذا أنهم "أمة كبيرة" يبلغ عددها 140 مليون نسمة الأمر الذي ينعكس على عددهم في الخارج.. ففي العام الماضي مثلا قدر ان 10% من كامل الشعب سافر خارج اليابان (وهو مايساوى 14 مليونا).. ولك ان تتصور ماذا يحدث حين يذهب هذا العدد الضخم الى وجهات سياحية محددة مثل باريس ولندن ونيويورك/ أو معالم محدودة فيها مثل برج إيفل وقصر باكنجهام أو ساحة التايمز في نيويورك!!

وما يرفع ضغطي بالفعل أنهم - حين يتحركون في مجموعات - يسبقونك غالبا أمام مكاتب الحجز والمواقع السياحية بحيث تجد أمامك دائما مابين 20 الى40 ياباني حضروا قبلك بدقيقتين فقط.. فقبل سنوات مثلا حجزت رحلة الى قمة ثلجية في سويسرا (تدعى يونج فراويوخ) تقدمتنا فيها مجموعة يابانية كبيرة.. وحين دخلت أنا وزوجتي القطار وجدنا المقاعد قد امتلأت بحسب عددهم (بالضبط) فبقينا واقفين وحدنا طوال الرحلة.. وما غاظني - لثاني مرة بعد الطابور الطويل - أنه لم تكد تمر خمس دقائق حتى غطوا كلهم في النوم متجاهلين المناظر الجميلة التي حُرمنا نحن من رؤيتها بسبب وقوفنا فوق مستوى النوافذ!!

وقد يقول قائل "تستاهلون" لماذا لم تصعدوا للقطار مبكرا !

.. وهذا يقودنا للحديث عن الطبيعة الأخرى لليابانيين: فهم يتحركون بشكل منظم ومسبق ويحضرون مبكرا.. وهكذا ما إن يسبقك أحدهم بالصعود حتى يصبحوا كالسلسلة التي لايمكن فصمها حتى تمتلئ الكراسي بالموجودين منهم فقط!

لهذا السبب حين قال سايشوتسي: اليابانيون يزورون فرنسا ولكن لا يرون الفرنسيين؛ رد عليه أبا حسام: ولو كان بين البشر (نمل) لكانت مملكته في اليابان!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...