قليلة هي الحروب النبيلة في التاريخ..
وقليلة هي الحروب التي يصعب الإجماع حول شرعيتها..
وجميعها قليلة من حيث عقلانية البدء بها والرضا بنتائجها لاحقا..
فمعظم الحروب تبدأ بحجة تافهة أو مفبركة وفي فورة من الحماس والتهليل وتنتهي بحالة من الصدمة والذهول والتساؤل إن كانت تستحق هذا العدد الضخم من الأرواح المزهقة..
لا أحد طبعاً ينكر حق الشعوب في الدفاع عن نفسها في حال الغزو والاحتلال ولكن لا يفترض أن تنشب وتستمر لأي سبب آخر.. فالأرواح البشرية أعظم ما خلق الله وأغلى ما يتواجد على كوكب الأرض.. وفي حين نادراً ما تنجح الحروب في استرجاع حق أو استعادة مسلوب توجد بدائل كثيرة يمكنها تحقيق المطلوب بدون إراقة قطرة دماء (وياليت تراجع مقالاً سابقاً بعنوان: يؤخذ بالرفق مالا يؤخذ بالقوة)..
خذ أمريكا كمثال وراجع ماذا حققت في كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان لتكتشف أنها تخسر رغم انتصارها أرواحاً بريئة.. وفي المقابل انظر إلى ماتحققه جولات مفاوضيها ووزراء خارجيتها من مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة دون خسائر أو ضجيج يذكر.. لاحظ الغزو الناجح الذي تحققه أفلام هوليود وموسيقى الراب وماركاتها التجارية وكافة أوجه الثقافة الأمركية وقارن ذلك بضآلة المكاسب التي تحققها الجيوش الأمريكية حول العالم..!!
لهذا السبب لا أتردد في القول بأن الحرب ذاتها فكرة غبية وخاسرة لجميع الأطراف.. ففي تاريخنا العربي مثلاً هناك الحرب التي نشبت بين قبيلتي عبس وذبيان (والسبب؟) فوز الحصان داحس على الغبراء!!
وهناك أيضاً الحرب بين تغلب وبكر التي أزهقت نصف الرجال (والسبب؟) امرأة تدعى البسوس ادعت أن رجلاً من تغلب قتل ناقتها...
ورغم أن الحرب بين القبيلتين استمرت أربعين عاماً، تفوقت عليهما فرنسا وبريطانيا حين خاضتا حرب استمرت لثلاثمائة عام (والسبب؟) حلق لويس التاسع لشاربيه..
وفي عصور أكثر قرباً خسر الأوروبيون في الحربين العالميتين مليوني جندي من أجل الاستحواذ على بقعة مهملة حول نهر السووم!
وحين تراجع سبب الحرب بين العراق وإيران تلاحظ أنها بدأت بدعوى استعادة شط العرب، ولكن صدام حسين تراجع في النهاية عن مطالبه بعد أن خسر الشعب العراقي مليوني جندي في عز الشباب!
... وفي المقابل؛ لاحظ أن في كل حرب جانباً واحداً ذكياً فقط يتمثل في المنتفعين منها.. فرغم أنها تبدأ بحجج مفبركة (كوجود أسلحه دمار شامل) أو تافه (كقطع اذن القبطان الانجليزي جينيكيز) إلا أن هدفها الخفي يكون غالباً تحقيق مصلحة سياسية أو منفعة اقتصادية يدفع ثمنها عامة الناس.. فاحتلال العراق وأفغانستان مثلا فبرك بعد تفجيرات سبتمبر في غفلة من الشعب الأمريكي (رغم أن الوقائع تقول ان لا أحد من الخاطفين كان يحمل الجنسية العراقية أو الأفغانية) وكان المستفيد الوحيد منها إدارة بوش وشركات المقاولات والتسليح والنفط وإعادة الإعمار!!
... وكل هذا يؤكد أن الحروب النبيلة والشرعية قليلة ونادرة بطبيعتها.. وفي حين لا أحد ينكر حق الشعوب في الدفاع عن نفسها، لا يرضى أحد باستغلال مآسيها والتكسب على حسابها..
وإن كان التاريخ سيكتفي بتعليمنا درساً فهو أن عدم خوض حرب خاسرة انتصار بحد ذاته...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق