من النادر أن يمنع كتاب أو مطبوعة فى الدول الغربية.. ولكن حين يمنع كتاب ما، وبإيعاز من المخابرات؛ فيجب أن يكون فيه ما يمس أمن الدولة أو علاقاتها الخارجية بصورة خطيرة..
ففي صيف 1987 مثلاً استنفرت السلطات البريطانية كافة جهودها في المطارات والموانئ وعمدت لتفتيش القادمين إليها (من أمريكا بالذات) خوفاً من دخول كتاب "صائد الجواسيس" لبيتر رايت.. فلأول مرة تخرج لندن عن وقارها وتطارد كتاباً يفضح أعمال التجسس التي قامت بها ضد الدول والبعثات الدبلوماسية فيها. وحين وجد المؤلف أنه محاصر في بريطانيا (وكان عضواً فى الاستخبارات البريطانية) قرر نشر الكتاب في أمريكا وأصبح محتماً على المواطنين البريطانيين إدخاله بالتهريب أو طلبه بالبريد -وإن كنت شخصيا قد اشتريته من إحدى مكتباتنا بعد ترجمته إلى اللغة العربية-...
وفي أمريكا حدث مؤخراً نفس الشيء مع كتاب "عين واشنطن" للصحفي فابريز كالفو الذي منع في أمريكا فطبع في باريس ووزع حول العالم. والكتاب بالإضافة إلى فضحه للعلاقة الحميمة بين المخابرات الأمريكية الاسرائيلية يزيح النقاب عن قضية تصدير أجهزة كمبيوتر "مفخخة" أصبحت بمثابة "عين واشنطن" على العالم. فهذه الكمبيوترات تسرب المعلومات المخزنة فيها (من مواقعها فى الدول المشترية) إلى المخابرات الأمريكية الاسرائيلية.. فسواء كان الكمبيوتر في مقر لوزارة الدفاع أو المالية أو بنك عالمي فإنه يصدر موجات لاسلكية مشفرة يتم التقاطها من مصدر قريب وبذلك تتسرب المعلومات المخزنة فيه!!
وتعود الفكرة ذاتها إلى بداية السبعينات حين قررت وكالة الأمن القومي الأمريكية (ومهمتها التصنت على كامل الأرض) تمويل مشروع لإنتاج أجهزة كمبيوتر بالغة التقدم يمكن التواصل معها عن بعد. وقد اختارت الوكالة مؤسسة تدعى أنسلاو لتنفيذ هذا الكمبيوتر الذى أطلقت عليه اسم "الوعد".. وأنسلاو مؤسسة معلوماتية أنشأها شخص يدعى بيل هاملتون عمل خلال حرب فيتنام كخبير في جمع المعلومات وتحليلها. ورغم أن الحكومة سحبت تمويلها لاحقاً إلا ان هاملتون استمر بتمويل شخصي وغيّر اسم الكمبيوتر إلى "فاكس فيمس".. ويقول المؤلفان إن هذا الجهاز بعد انتهائه كان قادراً على معرفة تفاصيل فواتير الكهرباء والهاتف والغاز في أي مكان حول العالم. وقد لفتت هذه الإمكانية نظر المخابرات الامريكية الCIA ما جعل هاملتون يطالب بثلاثة مليارات دولار لبيع حقوقه.. وفي عهد ريغان تولت مؤسسه تدعى "هادرون" مهمة تطوير الكمبيوتر لصالح عمليات التجسس حول العالم. وكانت الشرطة الكنديه أول زبون خارجي اشترى الجهاز وتسربت معلوماته إلى الCIA. وبعد ذلك بيعت عشرات الأجهزة إلى دول ومنظمات عالمية عديدة الأمر الذي جعلها كالكتاب المكشوف أمام المخابرات الأمريكية!!
بقي السؤال عن دور إسرائيل في القضية؟!
.. شعرت الولايات المتحدة بأهمية وجود شريك تبيع من خلاله كمبيوترات "وعد" إلى دول المعسكر الشيوعي. وهكذا أعطى ريغان إسرائيل صفة "الشريك المميز" وتم الاتفاق على أن تبيع إسرائيل الجهاز إلى الدول المعادية لأمريكا في حين تبيعه أمريكا إلى الدول المعادية لإسرائيل في الشرق الأوسط..!!
وقد نجحت إسرائيل بالفعل فى إيصال الجهاز إلى روسيا وإيران وكوريا الشمالية؛ فيما أطلعتها أمريكا على كافة المعلومات التي تحصلت عليها من دول المنطقة التى اشترت "الوعد"!!
وقد تبدو هذه الحادثة أشبه بقصص الخيال العالمي.. وقد يكون الأمر مبالغاً فيه؛ غير أن هناك أمرين يصبان في صالح المؤلف:
الأول: أن الكتاب - كما قلنا - منع من النشر فى أمريكا بإيعاز من الـ CIA..
والثاني: أن المخابرات الأمريكية نفسها اعترفت أنها (قبل غزو الكويت) هربت طابعة كمبيوتر مفخخة إلى وزارة الدفاع العراقية سربت كل ما طبع عليها إلى أمريكا عبر الأقمار الصناعية!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق