في أكتوبر 2011 ارتكبت خطأً مقدساً في تايلند .. ففي تلك البلاد لا يجوز لمس رأس أي إنسان مالم يطلب منك ذلك لعمل مساج أو إخراج القمل مثلاً . ويصبح الوضع محرماً جداً لدى رجال الدين الذين لا يجوز لمسهم على الإطلاق ومن أي مكان ناهيك عن رؤوسهم الصلعاء.. غير أنني لم أكن أعلم بكل هذا حين زرت مدرسة بوذية تُخرّج رهبان المستقبل فعمدت لملاطفة أحد الطلاب ووضعت يدي حول رأسه بطريقة أثارت صراخ الجميع.. وحينها فقط تطوع أحد المعلمين لإخباري بأن أطفال المعبد مقدسين لا يجوز حتى لأمهاتهم لمسهم الأمر الذي جعلني أضمم يدي أمام بطني طوال مدة بقائي معهم (كما يتضح من الصورة التي وضعتها مؤخرا على الفيس بوك) !!
أما أول موقف مشابه فتعرضت له قبل ربع قرن في أمريكا مع أحد الزملاء الذي سبقني إلى هناك .. فبعد انتهائي من المرحلة الثانوية حزمت حقيبتي ولحقت بصديقي الذي سبقني للدراسة في ولاية منسوتا (حيث عشت فيها لعامين). وفي ذلك الوقت كان من الطبيعي أن يمسك الأصدقاء في السعودية أيدي بعضهم في الشارع.. وفي المقابل يشير تصرف كهذا إلى وجود علاقة شاذة بين الطرفين في أمريكا رغم أنه لا يعني أكثر من وجود صداقة قوية بين الذكور في السعودية والهند واليمن وأفغانستان....
وذات يوم كنا في أحد الأسواق الفخمة حين بادرت بلمس يديه فسحبها على الفور منبهاً إلى عدم جواز هذا التصرف بين الأسوياء.. غير أنني ضحكت من ردة فعله وأصبحت أتعمد مسك يديه كلما صادفنا أشخاصا يعرفهم (وهو ماكان يغضبه ويحرجه على حد سواء)!
على أي حال؛ رغم أن الوضع تغير بين شبابنا هذه الأيام وأصبح يثير اشمئزازي الشخصي إلا أن هاتين التجربتين توضحان اختلاف نظرات الشعوب فيما يخص التلامس والتربيت والمصافحة والاحتضان وصفع الرقبة (الذي نعده مزحاً ويعده الصعايدة اعتداء) ..
ويمكن القول بوجه عام إن الشعوب الشرقية تمارس عادة اللمس بحرية أكبر وبراءة أكثر من الشعوب الغربية؛ ففي حين يتحفظ الناس في إنجلترا وألمانيا والنرويج في التعبير عن مشاعرهم بهذه الطريقة، يشكل لمس الآخر جزءاً كبيراً من لغة الحوار في مصر وتركيا وسيرلانكا.. وهذه الحقيقة لا تتعارض مع وجود مواقف استثنائية وفروقات جنسية - ومتى وكيف يتم ذلك - داخل كل ثقافة ومجتمع على حده.. ففي أوروبا مثلاً يبدو الإيطاليون واليونانيون أكثر تسامحاً من بقية الشعوب الأوروبية في الشمال، وفي باكستان والعراق يوجد تسامح (مفرط) بين الذكور في حين يوجد حظر كامل بين الإناث.. أما في أمريكا وكندا فيمكن للواحد حضن ابنته ووالدته بلا تحفظ في حين يتحرج من فعل ذلك مع ابنه أو والده ويكتفي بالسلام من بعيد "هاي جون".. أما الإنجليز فيستحقون جائزة العالم في (اللامساس) باستثناء مايحدث خلال أول عشرة ثوان من إدخال هدف لصالح انجلترا!
الخلاصة .. في حال ثبت فعلاً أن (لغة الجسد) تشكل 85% من تواصلنا مع الآخرين فهذا يعني أن تعلم مغزاها لدى أي شعب يفوق في الأهمية محاولة تعلم لغته المحكية..
بكلام أكثر بساطة؛ جهلك باللغة الفلبينية لا يسبب لك مشكلة، ولكن وضع يديك على كتف رجل آخر قد يعرضك للضرب!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق