الاثنين، 26 أغسطس 2019

أمواس جيليت أم النيويورك تايمز؟


(مجاناً) هي الكلمة السحرية في عالم الاقتصاد والتسويق ومبيعات التجزئة..

هي الكلمة التي لا يرفضها الزبون ولا يعترض عليها أي طرف..

هي مدخل الربح للبائع الذكي ويتقبلها الزبون على أساس (لنأخذها الآن، وننظر في أمرها لاحقا)!!

وحسب علمي كانت شركة جيليت لأمواس الحلاقة هي أول من ابتكر فكرة "المجانية" في ستينيات القرن الماضي حين بدأت بتوزيع مكائن الحلاقة مجانا دون قيود أو شروط. ولأن أحدا لم يرفض اقتناءها سيطرت في الأسابيع التالية على مبيعات "الأمواس" وسوق "الشفرات" بنسبة 97%!!

وهذه الفكرة يتم تطبيقها اليوم مع منتجات كثيرة تقدم لك الجهاز الرئيسي مجانا - أو بثمن بخس - في حين يأتي ربحها الحقيقي من بيع الخدمات والمنتجات المتعلقة بها (ومثال ذلك الفاكسات والطابعات التي تباع بثمن بخس، ثم تشتري أحبارها لاحقا بثمن مبالغ فيه)!!

والغريب أن العملاء لا يقبلون على شراء المنتجات الجديدة ما لم تكن مجانية بنسبة كاملة 100%.

وأذكر أن موقع أمازون - أكبر مكتبة افتراضية في العالم - دشن قبل سنوات خدمة التوصيل المجاني لكافة دول العالم فحقق نجاحات هائلة باستثناء دولة واحدة فقط هي "فرنسا".. وبعد البحث اتضح أن البريد الفرنسي يأخذ 2% كضريبة؛ الأمر الذي ألغى فكرة المجانية من أذهان المستهلكين الفرنسيين رغم ضآلة النسبة!!

وإذا انتقلنا الى مجال الاعلام نلاحظ أن الصحف التي توزع مجانا تحظى بشعبية كاسحة (ونسب توزيع عالية) مقابل الصحف التي تباع بثمن معلوم.. والسر كما هو واضح يكمن في أن أحدا لا يمانع في اقتنائها مهما بدت رديئة أو فقيرة أو هشة المحتوى.. في حين تحقق أرباحها من إقبال المعلنين الكبير عليها. وكان البلجيكيون أول من ابتكر فكرة الصفحات المجانية في الخمسينيات، وفي عام 1995 قدم السويديون أول صحيفة مجانية كاملة، وخلال عشر سنوات اكتسح هذا النوع من الصحف كامل أوروبا (ووصلت نسبة توزيعها في ايسلندا الى 80% وفي أسبانيا 50%)!!

.. ومن الأمور التي تؤكد تحكم (المجانية) بأسواق المستقبل تحولها إلى (موقف) لدى الشباب وأجيال المستقبل.. فشباب اليوم يرفضون بشكل قاطع فكرة "الدفع" عبر الانترنت للحصول على معظم الخدمات.. وبالتالي أي موقع يطالب زواره بالدفع معرض للإغلاق وانخفاض عدد زواره الى ما يقارب "الصفر". وكنت شخصيا من المتابعين المخلصين لصحيفة النيويورك تايمز فور ظهورها على النت حتى بدأت بإغلاق صفحاتها (مقابل اشتراك معلوم) فهجرتها إلى الأبد.. ورغم أنها عادت اليوم وفتحت صفحاتها للجميع، إلا أن إغلاقها لمدة عشر سنوات جعل متابعيها يبحثون عن مواقع بديلة، وبالتالي عدم الرجوع إليها حتى بالمجان!!

ونفس المعادلة تسري على المواقع الإخبارية والسينمائية والموسيقية و.. و.. و.. حيث المطالبة ب (الدفع) تدفع الشباب والمراهقين الى القرصنة وتبادل المنسوخات وإنشاء الموقع المجانية. وممارسات كهذه تسبب خسائر متفاقمة لكافة الصناعات والمنتجات التقليدية ولم تنجح آلاف القضايا المرفوعة في الحد من قرصنتها عبر النت (لدرجة انخفضت مبيعات أقراص الليزر في أمريكا من 45 مليار دولار عام 1997 إلى 13 مليار فقط في 2011)!!

.. المؤكد أيها السادة أن الانترنت قلبت كل المقاييس..

.. والمؤكد أيضا أن (المجانية) هي من سيتحكم بأسواق المستقبل..

.. ويبقى الخيار أمامك (كتاجر ومستهلك) هل ستتصرف وفقا لجيليت أم النيويورك تايمز!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...