الثلاثاء، 1 أكتوبر 2019

تفنيد أغرب فتوى في التاريخ


.. في البداية أهنئكم بشهر رمضان الكريم أعاده الله عليكم بالخير واليُمن والبركات..

وكنت في آخر مقالين قد استعرضت أغرب فتوى ظهرت في تاريخ كرة القدم والقوانين العجيبة التي تمخضت عنها مثل البصق على وجه من يجري فرحاً بتسجيل الهدف..

صحيح انها ليست الفتوى الوحيدة في مجالها ولكنها الأكثر تضمناً لمغالطات من شأنها (في حالة الأخذ بها) تحريم كل صغيرة وكبيرة في حياتنا بنفس الطريقة والسياق إن لم يكن بدعوى التشبة وموافقة الكفار، فبدعوى الانصياع للدول الكفرية والاحتكام للقوانين الوضعية.....

فمن قرأ آخر مقالين (أو اطلع على رسالة الشيخ عبدالله النجدي في النت) يلاحظ أنه اتهم أمريكا بوقوفها خلف كرة القدم وتبعيتنا لها في13 موضعاً.. والحقيقة هي أن الأمريكان الشعب الوحيد في العالم الذي لا يفهم "كرة القدم" ويملك لعبة مستقلة (تشبة مصارعة الثيران) يدعوها عناداً "كرة القدم الأمريكية".. والعجيب أكثر؛ أنه كال الشتيمة وكرر تهمة التبعية من معظم الدول الغربية كفرنسا وروسيا، في حين لم يأت مطلقا على ذكر إنجلترا الدولة التي اخترعت كرة القدم ووضعت قوانينها الأساسية!!

وتكرار وصف أمريكا ب(الملحدة) يثبت أيضاً اعتماد الفتاوى المتشددة على العواطف والتصورات المسبقة، لا على الحقائق الوقائع المثبتة.. فتوزيع الأديان حول العالم يؤكد أن 85% من الأمريكان يؤمنون بالله والمسيح ووجود جنة ونار ويواظب45% منهم على الذهاب للكنيسة.. وكنا سنصدق فضيلته أكثر لو اتهم مثلا السويد أو تشيكا أو حتى فيتنام والصين حيث يشكل الإلحاد مانسبته 90% من الشعب.. وبيني وبينك؛ ياليت أمريكا كانت ملحدة فلا تعادينا على أساس ديني أو تساند إسرائيل على أساس توراتي!!

والأهم من هذا وذاك أن الشيخ ضيق واسعاً واستغل مسألة التشبة بالكفار في أمور تافهة يفترض تنزيه الدين عنها (وهي بالمناسبة حجة مطاطة تستغل لتركيب كافة أنواع الفتاوى).. المشكلة أنه في حال نزلنا في تطبيقها لمستوى "كرة قدم" فماذا نقول عما هو أعظم من ذلك مثل تشبهنا بالغرب في استعمال أساليب الإدارة، والدراسة، والبحث العلمي، والتطبيق الصناعي ناهيك عن استعمال المنتجات والتقنيات الحديثة مثل فاكس وجوال وسيارة الشيخ!!

أما تكرار حديثه عن ضرورة احتكام كرة القدم للقوانين الشرعية فهو إما نابع عن جهل أو استخفاف بعقول الناس.. فقوانين الشرع واضحة ومرتبطة بحالات معلومة وصريحة (فالقاتل يقتل، والسارق يقطع، والزاني يجلد أو يرجم...الخ). أما عدا ذلك فيمكن لفقهاء القانون والإدارة وضع قوانين تنظم حياة البشر بحسب مستجدات الحياة (وليس أدل على هذا من عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي سن قوانين كثيرة لتنظيم الدولة الإسلامية).. أما أن نترك كل هذا ونطالب بتحكيم شرع الله في لعبة صبيانية فهذه مغالطة لا تخدم الدين خصوصاً أن لعبها يقوم أساساً على مبدأ التوافق والاتفاق وعدم تعمد الأذية!!

أما الأمر الذي يجب أن نتذكره جيداً فهو قول المصطفى صلى الله عليه وسلم "من قال هلك الناس فهو أهلكهم".. فعامة الناس يخشون الله بالفطرة، ويتصرفون ببراءة وسلامة نية دون قصد التشبة بالكفار أو الملحدين.. فنحن مثلاً نلبس، ونأكل، ونعمل، ونستخدم، ونتابع كرة القدم؛ لأننا ببساطة نريد ذلك، وليس لأننا نتعمد تقليد اليهود والكفار أو نخضع لرغبات أمريكا "الملحدة"!!

... المشكلة أن فتاوى كهذه يمكن أن تؤخذ كمرجع لتحريم أمور أخطر من كرة القدم، أو تترتب عليها أعمال عنف بدعوى الجهاد (وخذ كمثال منظمة بوكوحرام التي قتلت 22 شاباً بتهمة التجمع لمشاهدة أجساد اللاعبين النصارى في مباراة نيجيريا والأرجنتين)!!

... من حسن الحظ أن عامة الناس لدينا لم يعودوا يلقون بالاً لهذا النوع من الفتاوى كونهم تخلصوا من ذهنية الوصاية وأصبحوا أكثر اطلاعاً واعتدالاً من أصحابها بدليل التعليقات الساخرة التي كتبوها في المواقع الإلكترونية تحت فتوى الشيخ مباشرة!!

... وكي لا نظلم أحداً يمكنكم الاطلاع على الفتوى كاملة بإدخال الجملة التالية في جوجل: "الكرة تحت أقدام الصالحين"!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...