الجمعة، 2 أغسطس 2019

سياسة السرقة


مرت حقب تاريخية كثيرة كانت فيها الدول "المحترمة" تسرق بعضها البعض بمعنى الكلمة.. وهذه الظاهرة يمكن تتبعها لأقدم تاريخ اخترعت فيه السياسة وتوسعت فيه الامبراطوريات على حساب الشعوب الأخرى.. فبعد اكتشاف أمريكا الجنوبية مثلا - وتغلغل إسبانيا والبرتغال فيها - صدرت الأوامر مباشرة بنهب كل ما خف وزنه وغلا ثمنه. ونتيجة لذلك أصبحت إسبانيا والبرتغال تتمتعان بمظاهر الرفاه الاقتصادي في حين كانت دول أوروبا الأخرى تعاني من ركود التجار وبطالة الأساطيل.. وأمر كهذا دعا كثيرا منها لتشجيع أعمال القرصنة على السفن الإسبانية مقابل المشاركة في المسروقات..

وبأخلاق مشابهة استطاعت روسيا في وقت لاحق سرقة الاحتياط الذهبي لإسبانيا بفضل خدعة محبوكة نفذها عملاء الشيوعية في مدريد أثناء انشغال إسبانيا بحربها الأهلية. وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 كانت دول البلطيق الثلاث تمتلك 24.2 طناً من الذهب تقدر قيمتها ب 270 مليون دولار. وحين نجحت موسكو في احتلال تلك الدول عام 1940 حاولت بشتى الوسائل الاستيلاء على تلك الأرصدة. وتحت الضغط سلمت السويد وسويسرا الأرصدة التي بحوزتهما إلى موسكو بينما امتنعت بريطانيا وفرنسا لأن في ذلك اعترافا ضمنيا بشرعية الاحتلال. ولكن يبدو أن بريطانيا اطمأنت إلى استقرار الوضع في الستينيات فباعت الذهب الذي بحوزتها بثمن بخس 5.8 ملايين دولار بحجة تعويض مواطنين بريطانيين فقدوا ممتلكاتهم في تلك الدول أثناء الحرب!!

وبالطبع لا ننسى دور الدول الاستعمارية في السرقات الأممية.. فبريطانيا وفرنسا وهولندا أصيبت بنوبة سعار جعلتها تتنافس بشدة على إفراغ الشرق من كنوزه الرائعة.. وكانت ألمانيا من بين الدول الأوروبية القليلة التي تخلفت عن هذا المجال الأمر الذي جعل هتلر - حين أشعل الحرب العالمية الثانية - يأمر بتكوين فرق متخصصة كانت مهمتها نهب كل ما يمكن الحصول عليه من متاحف أوروبا وقصورها الفخمة.. وهكذا ما بين عامي 1941 - 1945 تراكمت في برلين كنوز وتحف لم تجتمع في غيرها من المدن خلال التاريخ!

ولكن - وكما يحدث دائماً - دارت الأحداث دورة كاملة واستطاع الروس دخول برلين في سباق محموم بين الحلفاء لسرقة الكنوز.. المسروقة..

وبحكم الأسبقية نجحت الجيوش الروسية في وقت قياسي بنقل تلك النفائس الى موسكو في قطارات تجاوز طولها الميل.. ولأن تلك الكنوز لاتخص ألمانيا وحدها - ولأنها لم تظهر حتى اليوم - لم تكف الدول الأوروبية عن المطالبة بممتلكاتها الوطنية الموجوده في روسيا.. في حين تعامل الروس مع تلك المطالب "باذن من طين وأخرى من عجين"!!

وفي زمن أكثر قربا لم تتحرج أمريكا من تجميد ومصادرة أرصدة ايران وليبيا بعد ثورة الخميني ضد الشاه ومقارعة القذافي للأساطيل الأمريكية إبان الثمانينيات.. أما آخر حلقة من السرقات الأممية فهو المماطلة في إعادة هذه الأموال بعد زوال القذافي وحجز اسرائيل لأموال الضرائب الفلسطينية ومنع تسليمها للسلطة الرسمية بحجة تقاربها مع حماس!!

.. على أي حال أراني تحدثت حتى الآن عن الدول والحكومات "المحترمة" التي تسرق بعضها البعض.. ولكن يبقى هذا العمل "إنجازا شريفا" مقارنة بقدرة بعض الطغاة والمسؤولين المحليين على سرقة شعوب كاملة استأمنتهم على مقدراتها الوطنية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...