الاثنين، 26 أغسطس 2019

لحظات اليوريكا


أتمنى أن تكون قد اطلعت على آخر مقال (لحظة أرخميدس)..

ففي بدايته تحدثت عن قصة أرخميدس مع تاج الملك، وفي نهايته وعدتكم بالحديث عن لحظات اليوريكا التي أعرفها ومر بها مخترعون وعباقرة مثله..

ولحظة اليوريكا - حسب تعريفي - هي تلك اللحظة التي يسقط فيها الإلهام وتتجلى فيها الأفكار والحلول دون مقدمات.. تلك الاشراقة الجميلة والفتح الرباني الذي يكشف كل شيء ويجعلنا نكاد نطير من الفرح - وجعلت أرخميدس يخرج عاريا الى الشارع يصرخ بأعلى صوت: وجدتها وجدتها (يوريكا يوريكا)!!

.. هذه اللحظة المُلهمة تكررت كثيرا في سير العلماء والعباقرة والمخترعين - وخلال لحظة إلهام مماثلة خطر ببالي إخباركم ببعضها في مقال مستقل:

فبعد سنوات من التفكير في طبيعة الوقت وعلاقته بالكتلة والفضاء وقع الإلهام فجأة على أنشتاين أثناء وجوده في مدينة بيرن السويسرية ومروره تحت ساعتها الشهيرة حيث أدرك فجأة أن الزمن (ذاته) حقيقة نسبية وأنه يتغير بتغير الكتلة والسرعة وموقع الرائي!!

أيضا هناك الدكتور أوتو ليوي الذي اكتشف طبيعة النبضات العصبية عام 1920 بطريقة غريبة.. فقبل هذا التاريخ لم يفهم العلماء كيفية انتقال الأحاسيس عبر الأعصاب وذات ليلة استيقظ من النوم وكتب مجموعة من الملاحظات ثم عاد ونام.. وفي اليوم التالي قرأ تفسيره الصحيح لآلية عمل الأعصاب بالجسم!

وحتى مطلع الثمانينات لم يكن علماء الأحياء يعرفون كيفية حدوث التغييرات والتباديل الوراثية داخل الخلية.. ولكن بعد ثلاث ساعات من القيادة انتهى كاري موليز إلى تصور طريقة حدوث ذلك.. وبدل أن يكمل طريقه (الى كوخه في الغابة) عاد بسيارته الى معمله في بيركلي ليتأكد من صحة فرضيته!!

وجميعنا يعرف الميكرويف الذي ظهر من رحم الصناعات العسكرية. فأثناء مرور بيرسي سبينسر أمام ماجنيترون (مولد للأمواج الدقيقة) لاحظ أن قطعة شوكولاتة في جيبه ذابت دون تعرضها للحرارة فخطر بباله فكرة صنع فرن يعتمد على تسخين الطعام باستعمال الموجات الدقيقة !!

أما الطبيب الكندي فريدرك بانتنج فحلم ذات ليلة بإجراء جراحة في البنكرياس لأحد الحيوانات فاستيقظ وكتب لنفسه الملاحظات التالية: "اربط قناة البنكرياس لدى الكلب.. وانتظر حتى يمتلئ البنكرياس ويتجعد.. ثم اقطعه واستخرج الخلاصة واحقنها في المريض".. وهكذا اكتشف طريقة استعمال الأنسولين لعلاج مرضى السكري!!

أما العالم المسلم محمد بن أحمد البيروني فله انجازات كثيرة أشهرها قياس محيط الأرض بشكل دقيق (وهو الانجاز الذي فشل فيه علماء الأغريق والروم والهند والصين).. فذات يوم كان يقف فوق جبل مرتفع بحيث شاهد مستوى الأفق وظل الجبل على الأرض. وبفضل براعته في حساب المثلثات قارن زاوية الأفق مع ارتفاع الجبل وظله فحصل بالتالي على معادلة نصف قطر الأرض (ماتزال معروفة باسمه حتى اليوم)!!

.. وهذه كلها أيها السادة مجرد أمثلة مختصرة للحظات يوريكا كثيرة تمتلئ بها سير العباقرة والعظماء.. لحظات يوريكا يدين لها تقدمنا العلمي والفكري والحضاري، لا ينجح في استغلالها والاستفادة منها سوى من يحمل همها ويستعد لاستقبالها!!

.. وصدقني حتى أنت (لو تذكرت جيدا) ستكتشف مرورك بلحظات يوريكا كثيرة، أما (للأسف) أهملتها أو لم تقدر قيمتها أو لم تملك الخبرة الكافية لاستغلالها والاستفادة منها..

.. ويكفيني في هذا المقال أن تفتح معها صفحة جديدة !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...