قد يكون عمر الأرض طويلا ولكنه مقارنة بعمر الكون يعد حدثا سريعا ويتكرر باستمرار.. فالنجوم مجرد شموس لها دورة ولادة وشباب وشيخوخة ووفاة.. فهي تتوالد من سديم نجم سابق وتبدأ في التكثف والانضغاط وصولا لدرجة الإشعاع وإطلاق الحرارة والضوء. وحين تقترب طاقتها من النفاد تتضخم حتى تنفجر (وتسمى حينها بالمستعر الأعظم) قبل أن تبدأ بالانكفاء والتحول الى ثقب أسود.. وهذه الظاهرة تحدث بشكل دوري بحيث تنفجر كل شمس على حدة مبتلعةً ما حولها من كواكب وما قد تتضمنه هذه الكواكب من حضارات ومخلوقات لا يعلم بها غير الله!!
وهذا يعني أن الكارثة التي تحدث لنجم (أو كوكب ما) تعد حدثاً محلياً وقيامة خاصة به فقط.. ولو كان فوق "الكوكب" مخلوقات عاقلة لغدت هذه الكارثة بالنسبة لها بمثابة قيامة كبرى يحترق بسببها كل شيء ويصبح هباء منثورا..
ليس هذا فحسب بل قد ينفجر الكوكب (بمن فوقه) وتقوم قيامته لأسباب خاصة (جدا جدا) مثل اصطدامه بكويكب شارد أو نيزك هارب.. وهذا الاحتمال حدث في مجموعتنا الشمسية عدة مرات حيث اصطدمت الأرض في بداية تشكلها بكوكب (يدعى أورفيوس) تسبب في انفصال كتلة كبيرة كونت القمر.. كما تسبب اصطدام كوكبين متجاورين في تلاشيهما تماما وتحولهما الى حزام هائل من الصخور والحجارة بين المريخ والمشترى!!
وكل هذا يقودنا للتساؤل ما ان كانت "القيامة" حدثا فلكيا خاصا بكل كوكب على حدة - خصوصا في ظل قوله تعالى: (الله يبدأ الخلق ثم يعيده)..
وهذا من وجهة نظر فلكية وكونية!!
.. أما من وجهة نظر أرضية وتاريخية؛ فلاحظ كيف يتساوى في الثرى راحل غدا وماض من ألوف السنين.. ولاحظ أيضا أن الله خلق قبلنا أمما كثيرة مكلفة (لم تعد موجودة الآن) ويُرجح بالتالي مرور كل منها بقيامته الخاصة.. فالأرض كانت مهيأة وعامرة بالحياة قبل نزول آدم عليه السلام. وحين أخبر الله ملائكته بأنني (جاعل في الأرض خليفة) قالوا عن سابق تجربة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء).. وبهذا الخصوص يقول المسعودي: "ان الله سبحانه خلق في الأرض قبل آدم ثمانيا وعشرين أمة على خلق مختلفة"... وهذا فقط من وجهة نظر أرضية وتاريخية!!
.. أما من وجهة نظر شخصية وفردية ؛ فلاحظ أن هناك أحاديث كثيرة وصحيحة تتحدث عن اقتراب القيامة انطلاقا (وبدءًا) من زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - وهي أحاديث موجودة في صحيح البخاري ومسلم لمن يريد التأكد منها..
ومن هذه الأحاديث أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة قائمة؟ قال: ويلك وما أعددت لها. قال: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله قال: إنك مع من أحببت.... فمر غلام للمغيرة وكان من أقراني، فقال: إن اُخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة.. (رواه أنس بن مالك/ ومصدره صحيح البخاري 6167).
وروى أنس أيضا أنه مر غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة"..(صحيح مسلم / 2953).
وسأل رجل رسول الله: متى تقوم الساعة وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة".. (صحيح مسلم).
وسأله اعرابي عن قيام الساعة فقال صلى الله عليه وسلم: ما أعددت لها قال إني أحب الله ورسوله فقال المرء مع من أحب.. ثم قال أين السائل عن الساعة وثَم غلام فقال: إن يعش هذا فلن يبلغ الهرم حتى تقوم الساعة..(السلسلة الصحيحة للألباني: 7/1447).
.. هذه الأحاديث تماثل في خصوصياتها دورية النجوم في الكون، وتكرار الحياة على الأرض، ولا يمكن التوفيق بينها وبين المفهوم الشامل للقيامة مالم يُقصد بها (قيامة شخصية وخاصة بكل انسان على حدة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق