حقق البشر هذه الأيام قدرا هائلا من التقدم التقني في مجال النقل ووسائل المواصلات، ولكنهم في نظري لم يحققوا ما يكفي بخصوص قدرتهم على السفر والانتقال في كافة الأبعاد.. صحيح أن البوينغ والايرباص قصرت المسافات، وصحيح أننا أصبحنا نسافر أكثر وأبعد مما كان يفعله آباؤنا وأجدادنا.. إلا أن قدرتنا على الترحال مازالت حتى اليوم محصورة في المكان والزمان وحدود السياسة والتضاريس!!
بكلام آخر؛ مازلنا محاصرين بالحدود المسطحة للمكان والزمان ولم نتمكن - حتى الآن - من السفر عبر الزمن أو الانتقال بطريقة لحظية للأحداث التاريخية أو الأماكن القصية!!
أذكر أنني قرأت قبل عشرين عاما رواية خيالية تتحدث عن وكالة سياحية (من القرن القادم) تنظم لعملائها رحلات سياحية الى الماضي لمشاهدة الكوارث والأحداث العظيمة التي وقعت على الأرض.. وهكذا يتنقل السياح عبر الزمن لمراقبة الحرب الاهلية في امريكا وسقوط القنبلة الذرية على هيروشيما ثم الانتقال إلى الستينيات لمشاهدة اغتيال الرئيس كينيدي على الطبيعة ثم العودة إلى سان فرانسيسكو لمعاينة زلزالها الشهير قبل وقوعه بدقائق، قبل أن يصلوا الى نيويورك في صبيحة الحادي عشر من سبتمبر لمشاهدة تفجير برجي التجارة العالمي..!!
وفي طفولتي كنت أقرأ مغامرات فضائية مصورة تدعى "سفينة النجوم" (مقتبسة من مسلسل يحمل نفس الاسم) ينتقل فيها الرواد للكواكب القريبة بطريقة لاسلكية.. فكل ما يتطلبه الأمر هو دخولهم في كبسولة زجاجية تحول أجسادهم الى جسيمات ذرية تسافر لاسلكيا - قبل أن يعاد ترسيبها في مكان الوصول بعد لحظة واحدة فقط.. وأذكر أنني كتبت عن هذه الفكرة (التي تدعى تليبورت) وتصورت امتلاكنا لكبسولة أرضية مماثلة ما أن تدخل فيها حتى تجد نفسك في نيويورك لتناول الغداء، أو في باريس لتناول القهوة، وبعدها الى الهند للقيام برحلة سفاري، قبل أن تختم سهرتك بتناول العشاء فوق برج الألعاب الآسيوية في مدينة جوانزو الصينية.. وحينها فقط لن تخشى سؤال زوجتك عن سر سفراتك الدائمة حيث يمكنك دائما العودة للبيت "بطقة زر" (وهذا هو المقصود بالانتقال الآني أو اللحظي)!!
وبالطبع؛ هذه كلها ماتزال أفكارا خيالية - وفي أحسن الأحوال - نظريات لم تتحقق إلى الآن.
ولكن؛ من قال اننا نحتاج الى أخذ أجسادنا معنا سواء في رحلتنا عبر الزمن أو انتقالنا الآني بطريقة "التليبورت".. فبعكس أجسادنا المادية الغليظة يمكن لعقولنا تجاوز حواجز المكان والزمان بطريقة آنية مدهشة (بدليل ذلك سفرها عبر الزمن خلال النوم وقطعها للبحار والمحيطات خلال الأحلام).. وأذكر أنني ذهبت الى جنيف لأول مرة - قبل خمسة عشر عاما - لزيارة معرض "المنظمة العالمية للملكية الفكرية". وقبل السفر بعدة أيام حلمت أنني أمشي في شوارع المدينة وأتجول في متحف المنظمة وأقرأ الملخصات الموجودة أسفل كل اختراع.. المهم هنا أنني حين وصلت فعلا؛ مشيت في نفس الشوارع وشاهدت نفس المعروضات (وإن بدت لي الملخصات أكثر وضوحا في عالم الواقع).. ورغم أنني ندمت حينها على ثمن التذكرة والفندق (حيث كان واضحا أنني حلمت بمعظم الأشياء) إلا إنني بدأت أتساءل عن كيفية انتقال الروح والعقل الى مناطق بعيدة وهل يمكن اخضاع هذه الموهبة لتحكم الإنسان!؟
وما شجعني في الحقيقة على اخباركم بهذه الواقعة ثقتي بأن معظمكم حلم بأحداث وأماكن اكتشف لاحقا أنها حقيقية.. (فيا حبذا لو تخبرنا بها في الموقع الإلكتروني)!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق