التنبؤ بالمستقبل أقدم محاولة فاشلة في التاريخ.. ومع هذا مازالت تلقى رواجا كبيرا رغم تبدل الوسائل المستخدمة فيها - من الضرب بالرمل وتفحص أمعاء الماعز، الى قراءة الكف والبخت والفنجان، انتهاء باستعمال الحاسبات الإلكترونية والخرائط الوراثية..
وبصرف النظر عن الوسيلة يعتمد مدعي الغيب على مهارته في فهم طبيعة البشر ودوافع الناس واللعب على الأوتار الحساسة.. ويساعده على ذلك أن الضحية تأتي (منتهية) ومستعدة للتشكي والبوح بكل شيء - ناهيك عن ملامح القلق واليأس التي تجعل قراءة وجهه أسهل من قراءة كفه!!
ولا اخفي عليكم لم اكتب هذا المقال إلا بعد تأمل طويل في هذا الموضوع - لدرجة بدأت أثق بقدرتي على الجلوس مكان أي مشعوذ يدعي معرفة الغيب.. فبالإضافة الى أننا أمة نائمة (أدمنت تفسير الأحلام) تتميز المهنة ذاتها بالربحية وسهولة التطبيق وتقدير المجتمع.. وفي حال رغبت في سعودة هذا المجال أنصب خيمتك بجانبي وأتبع معي النصائح التالية:
أولا وقبل كل شيء كن حذرا ولا تتعامل إلا مع ضعاف العقل وقليلي الإيمان!
كما يجب أن تكون واثقا من نفسك الى أقصى حد.. فأي ارتباك او تردد سيثير شك الزبون!
أحط نفسك بجو غامض يوحي بالهيبة والروحانية كأن تجلس في ركن مظلم وحولك البخور وبيدك مسبحة طويلة.. ولا بأس أن تُصرع وتتحدث بلغة غريبة بين الفينة والأخرى!!
اترك الزبون يتحدث بحرية وكلما سكت استدرجه لقول المزيد، وتذكر ان كل من يدخل خيمتك يرغب بالحديث (والفضفضة) اكثر من أي شيء آخر!!
ويجب أن تكون شديد الملاحظة وتلتقط من كلام الزبون ما ستخبره به لاحقا.. فإن قالت إحداهن مثلا "أظن ان احدهم عمل لي عملاً" ثم فهمت لاحقا ان لديها نزاعاً من شقيقة زوجها؛ فادمج بين المعلومتين واخبرها ان ما تعاني منه سببه سحر معقود دفنته "الله يصلحها" أمام باب بيتها !!
أيضا من المهم أن تخبر الزبون بما يود سماعه فقط.. فإن هجرته حبيبته (فلأنها تركته لغيره) وان اعتقد ان زوجته سحرته (فهذا صحيح حتما) وإن كانت زميلتها تكيد لها (فلأنها تغار منها).. باختصار تقيد بالمثل المصري القائل "من دِقنُه افتِله".. فالمهبول لديه استعداد لتصديق ماتقول!!
وبالإضافة الى أذنيك افتح عينيك جيدا.. لاحظ ملابس الزبون، وقصة شعره، وطريقة جلوسه، والساعة التي يلبسها. وحين يتحدث معك لاحظ هل ترتعش يداه وتهتز شفتاه أم يبدو واثقا من نفسه.. كل هذا يفيدك في استنتاج حالته النفسية والمرحلة التي وصل اليها.. والأهم منزلته الاجتماعية والمبلغ الذي ستأخذه منه!!
كما يجب أن تتنبه للأفكار والمخاوف الشائعة في مجتمعك؛ فكل السعوديات مثلا يخشين من زواج أزواجهن وبالتالي أخبر الزبونة ان "الطبينة" قادمة لا محالة.. وكل المراهقين يعتقدون أنهم غير مفهومين ولا يحظون بالتقدير، وبالتالي أكد للفتى أنه يعاني من تسلط والده وعدم تقدير مجتمعه!!
وكي تضمن عودته مرة أخرى أوحي للزبون - قبل ان يغادر خيمتك - ان ماتعرفه اكثر مما قلته، وان ماسيحدث أعظم مما حدث، وان كيد أقربائه سيزداد قسوة في الأيام القادمة.. ثم تصنع دور المصروع - وأجعل شراب الحموضة يسيل من جانب فمك - كي يهرب ويأتيك لاحقا!
.. حبيب قلبي:
إن لم تفهم مغزى المقال فأنت بالفعل ضحية سهلة!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق