الأحد، 4 أغسطس 2019

عاهر بحكم الوراثة


المجلة الطبية البريطانية British Medical Journal)) نشرت قبل فترة تقريرا يشير الى أن صناعة البغاء تعود في جزء منها الى أصل وراثي تتناقله بعض العائلات.. وأن هذه العلاقة الوراثية تفسر انتشار هذه الصناعة ضمن عائلات وسلالات وأحياء معينة في بعض الدول!!

... ورغم غرابة هذه العلاقة إلا أنها لم تكن المرة الأولى التي أقرأ فيها شيئا من هذا القبيل؛ فبين الحين والآخر أقرأ تقارير مماثلة تحاول الربط بين العوامل الوراثية ومظاهر معنوية يصعب وجودها في غير الانسان / كالأخلاق والضمير والسعادة والميل لفعل الخير أو الشر.

... فمعظمنا مثلا يعتقد أن امتلاك ثروة كبيرة أو سيارة جديدة يجعله أكثر سعادة وتمتعا بالحياة. غير أن علماء الأعصاب في جامعة أدنبرة مثلا اكتشفوا أن هامش السعادة الذي نتمتع به يعتمد بشكل كبير على جيناتنا وتركيبتنا الوراثية .. فحين يبدو البعض سعيدا ومتفائلا رغم فقره وسوء حاله والبعض الآخر تعيسا ومكتئبا رغم ترفه وغناه يصبح الفرق متعلقا بالجينات والعامل الوراثي!!

... ومع هذا يصعب على شخصي المتواضع تقبل أي محاولات للربط بين الأخلاقيات البشرية والعوامل الوراثية بنسبة كاملة أو مطلقة (ما لم نتحدث عن أطفال خرجوا للتو من بطون أمهاتهم ولم يتعرضوا بعد لتأثير التربية والبيئة المحيطة).. والسبب ؛ أن تأثير التربية والبيئة المحيطة يكبر ويتضخم ويصبح غلابا كلما تقدمنا بالسن / في حين لا يمكنك الحديث عن تأثير التربية لدى الرضيع أو ترجيح دور البيئة لدى طفل لم يدخل المدرسة بعد.

وكنت قد شهدت قبل عشرين عاما موقفا كان له كبير الأثر في تشكيل رأيي حول دور المورثات (أو الجينات) في رسم شخصياتنا المبكرة .. فقد كنا حينها مجموعة من الطلبة السعوديين في ولاية منسوتا اجتمعنا في حفل عشاء لتوديع أحد المتخرجين .. ورغم أن معظمنا كان من الشباب العزاب إلا أن بعضنا كان كبيرا ومتزوجا ولا يتحرك بدون أطفاله الصغار.. وكان من بين هؤلاء رجل من الأحساء لديه ابن في سن الثالثة لم أر في حياتي أكثر منه فصاحة وجراءة وحركة وحبا للحديث.. وفي المقابل حضر معه زميل آخر لديه ابن (في نفس السن) ولكنه على عكس الأول شديد الحياء والانطواء لم يتحرك من مكانه وظل ملتصقا بوالده طوال الحفلة.

وهنا بدأت أتساءل عن سبب الاختلاف بين الاثنين، وهل تلعب تركيبتنا الوراثية دورا مسبقا في بناء شخصياتنا !؟

.. فرغم أن علماء النفس يقولون ان صفاتنا الشخصية (محصلة) لتمازج بيئتنا المحيطة مع أصلنا الوراثي؛ لا يفوتنا أن تأثير البيئة يأتي متأخرا ومتدرجا بمرور العمر.. فتأثير التربية والبيئة المحيطة يأتي على دفعات كونه يبدأ بالبيت، ثم الشارع، ثم المدرسة، والثقافة المحيطة، في حين يظهر التأثر الوراثي (ككتلة متكاملة) فور نزول الطفل من بطن أمه وبالتالي يلعب دورا مبكرا في صقل شخصياتنا.. فالطفلان السابقان مثلا يملكان نفس السن ويعيشان في نفس البيئة وكلاهما ولد لأب متعلم من نفس الثقافة والبلد وبالتالي يحق لنا التساؤل عن سبب الاختلاف بينهما.. وحين تتشابه الظروف البيئية والتربوية لا يبقى غير التفكير في العامل الوراثي الذي يبدو واضحا وملاحظا في أسر وعائلات معينة !!

... ورغم عدم صحة الحديث إلا أن معناه صحيح ... "العرق دساس"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...