الأربعاء، 14 أغسطس 2019

مبدأ الرازي


يعرف معظمكم قصة الرازي مع مستشفى بغداد.. فقد استشاره الخليفة المعتضد بالله في موقع بناء بيمارستان جديد (وهو الاسم القديم للمستشفى) فأمر الرازي أن تُعلق في كل ناحية من بغداد قطعة لحم طازجة.. وبعد أيام عاد للكشف على قطع اللحم فأشار على الخليفة أن يبنى المستشفى الجديد في الموضع الذي قل فيه تعفن اللحم.

وبهذا الإجراء الذكي يمكن القول إن الرازي لا يعود له الفضل فقط في تشخيص الحصبة والجدري والأمراض التناسلية (وتأليف كتاب الحاوي الذي عد مرجعا للطب في أوروبا حتى القرن الخامس عشر) بل وأيضا في وضع أسس علم البيئة والطب الوقائي!!

ولكن؛ رغم فضل الرازي في هذا المجال، ورغم جهل البشر قديما بوجود البكتيريا وتأثير التلوث؛ إلا أن الفكرة ذاتها كانت موجودة ومحسوسة - وخرافية نوعا ما - لدى الأمم القديمة.

فقوافل العرب مثلا كانت تفضل المبيت في مناطق ومواقع وتضاريس معينة، ولا تبيت في أخرى بحجة تسببها بالأمراض وسوء الطالع ومس الجان.. وكان من المعتاد أن يراقبوا المناطق المفضلة لحيواناتهم للمبيت فيها أو نصب خيامهم فوقها.

ونفس الفكرة تقريبا نجدها لدى الرومان الذين كانوا يعمدون - حين يقررون بناء مدينة جديدة - إلى ترك المواشي ترعى في المكان لفترة قبل أن يذبحوها لفحص أكبادها وأمعائها وملاحظة مدى تأثرها ببيئة المنطقة.. أما هنود البيرو (الأزتيك تحديدا) فكانوا يبنون معابدهم فوق "نقاط مقدسة" يتعرفون عليها من خلال مراقبة الأماكن التي تفضل الحيوانات أو تقع عليها الطيور.

أما الصينيون فكانوا ينظرون للأرض كمخلوق حي يضم شرايين وتقاطعات مقدسة (تبنى فوقها المعابد ومراكز الاستشفاء الخاصة). وكان الفراعنة يبنون الأهرامات والأضرحة بحيث تتعامد مع اتجاهات الأرض الأربعة وتمنع المواد العضوية من التعفن بداخلها.

وحتى يومنا هذا مايزال الناس في الهند يسألون قبل شراء أي منزل: (هل هو فوستو أم لا؟).. فإن كان "فوستو" اشتراه بالسعر المعروض وإن كان "غير فوستو" عزف عنه أو قلل من قيمته.. والمنزل المنشأ وفقا "للفوستو" يبنى حسب توافقه مع طاقة الأرض وتتناغم مع تأثيرها على أجساد البشر. فالهنود يؤمنون بأن الأرض كائن حي يفزر طاقة خفية وشفافة تتغلغل في أجساد المخلوقات. وهذه الطاقة (التي نستطيع تمثيلها مؤقتا بطاقة الأرض المغناطيسية) تنساب في اتجاهات يستحسن العيش والنوم ضمن تيارها وليس في وضع معترض أو معاكس لها!!

ورغم أننا غير مجبرين على تصديق أو تبني الاعتقادات السابقة، إلا أن هناك دلائل حديثة تؤكد تأثير موقع البناء على صحة البشر وأمزجتهم الخاصة.. فبالإضافة الى احتمال تلوث البيئة ورداءة الهواء (وهو المبدأ الذي حمل الرازي همه) يجب مثلا مراعاة مسألة القرب أو البعد من مصادر الطاقة الكهربائية (كالأبراج ومحطات التحويل) وإمكانية التأثر بعوادم المصانع والسيارات والتصريف الصحي - ناهيك عن تعارض مواقع النوم داخل المنزل مع تدفق المجال المغناطيسي للأرض (من الشمال نحو الجنوب).

.. أما في حال انتهيت من بناء منزلك فعلا، فلا يتبقى غير أن تسأل نفسك: لماذا يحلو لك النوم في مواقع معينة من البيت، في حين تصاب بالقلق والكوابيس في مواقع أخرى فيه!؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...