هناك فرق مهم بين السرعة والتسارع..
فرغم ارتباطهما بفيزياء الحركة إلا أنهما ينطبقان أيضا على الأفراد والشعوب والحضارات البشرية!
فالتسارع هو تنامي طردي ومتزايد في السرعة (ومثال ذلك سيارة رياضية تنطلق من الصفر الى 100كلم خلال ست ثوان لدرجة تشعر بالتصاقك بالمقعد)..
أما السرعة فهي الثبات والاستقرار وتوقف التسارع عند الصفر (كأن تثبت سيارتك الرياضية عند سرعة مائة كيلومتر ولا تنطلق أسرع ولاتشعر أنت بقوة تشدك للمقعد)..
.. حتى الطائرة تتسارع أثناء صعودها في الجو - لدرجة تشعر بقوة تشدك للمقعد - ولكن ما أن تستقر في الهواء عند سرعة ثابتة حتى تسكن ويعم الهدوء ولا تكاد تشعر بحركتها..
أما الغريب فعلا فهو أن كوكب الأرض بما عليه من بحار وقارات ومخلوقات يسير في الكون بسرعة تفوق 110,000 كيلومتر في الساعة (وللمقارنة لا تتجاوز سرعة البوينج 1000 كلم في الساعة).. ورغم هذه السرعة الخارقة لا نشعر بحركة الأرض كونها وصلت لمرحلة الثبات والاستقرار منذ ملايين السنين!
وحين تتأمل حياة البشر تجد أنهم - مثل السيارة الرياضية والطائرة المدنية - تتراوح حالتهم بين سرعة وتسارع..
فحياة الانسان مثلا تتسارع في طفولته وشبابه للوصول لمرحلة الاستقرار والثبات.. فحصيلة الطفل اللغوية تنمو باضطراد حتى يبلغ سن الرشد. وفي سن الشباب يبدأ مرحلة تسارع معرفي جديدة تنتهي بالتخرج من الجامعة والحصول على وظيفة وتكوين أسرة.. وما أن يحقق هذا الهدف حتى تخف قوة تسارعه - وليس سرعته - قبل أن يبدأ بالتراجع في سن الشيخوخة فلا يكاد يعلم من بعد علم شيئا!!
ونفس الظاهرة تلاحظ على شعوب ودول العالم.. فالنمور الآسيوية مثلا (كالصين وتايوان وكوريا الجنوبية) ماتزال في مرحلة "تسارع" ومحاولة لحاق بالدول المتقدمة.. لهذا السبب تحقق معدلات نمو سنوية تتجاوز في أحيان كثيرة 9% مقارنة بدول صناعية عريقة مثل بريطانيا وأمريكا واليابان لا تتجاوز نسب نموها السنوية 3%..
فالدول الأخيرة أنموذج لدول استقرت عند سرعة معينة لدرجة يبدو عليها الركود والخمول (ولكنه ركود مخادع كالطائرة التي تبدو ساكنة ولكنها ماتزال تسير بسرعة كبيرة). وفي المقابل تحقق النمور الآسيوية نموا مضطردا كونها في مرحلة تسارع ايجابي - كطائرة ترتفع في الأجواء - لم تصل بعد للسرعة التي استقرت عندها الدول المتقدمة!!
وفي الحقيقة حتى الحضارات والثقافات البشرية تبدأ بمرحلة تسارع، ثم سرعة، ثم تراجع (والتراجع بالمناسبة نوع من التسارع السلبي الذي يبدأ بالانخفاض التدريجي حتى ينتهي بالتوقف النهائي)..
فجميع الحضارات البشرية تبدأ بحالة "تسارع" تشمل كافة أوجه الابداع والتوسع والبناء والإضافة.. وحين يصل تسارعها لنهايته، تدخل مرحلة الثبات على السرعة والحفاظ على المكتسبات (بدليل توقف الفتوحات وزخم الابداع العلمي عند عصر معين في الحضارة الاسلامية).. وبعد فترة طويلة من الثبات والاستقرار تبدأ الحضارات بالتراجع والانحسار حتى تتوقف جذوتها تماما وتصبح تابعا للآخرين (كما هو حالنا اليوم)!!
وهكذا يمكن القول إن التوقف عن التسارع (سواء على مستوى الفرد أو الجماعة) يعني الثبات والاستقرار..
والثبات والاستقرار يعنيان التراجع والسماح لمنافسين لم يتوقفوا عن التسارع بتجاوزك والتفوق عليك (وخذ كمثال الصين التي تسارعت لدرجة تقدمت على دول استقرت عند سرعة ثابته مثل ألمانيا واليابان)!!
أما فيما يخصك فخذها نصيحة من رجل يحبك:
ليس المهم وصولك لسرعة الضوء، بل عدم توقفك عن التسارع في أي وقت!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق