دخلت قبل أيام متجراً كبيراً للأواني المنزلية ففوجئت بتزاحم العائلات التي ملأت عربات التسوق (وهذه المرة ليس بأنواع الأطعمة والعصيرات) بل بشتى أنواع الأواني والصحون والأطباق الكبيرة - استعداداً لمعارك رمضان الغذائية..
تذكرت فوراً مقالين سابقين شرحت فيهما أهمية الإقلال من كمية الوجبات كطريق للصحة وخفض الوزن؛ الأول بعنوان اللغز الفرنسي، والثاني لماذا لا يصاب اليابانيون بالبدانة.. وفي كلا المقالين أعدت الرشاقة التي يتمتع بها الفرنسيون واليابانيون إلى تعودهم على تناول كميات بسيطة من الطعام في أطباق تشبة ألعاب الأطفال..
وكان أحد الخبراء الفرنسيين قد قدر كمية الطعام التي يتناولها الفرنسي ب 54% من كمية الطعام التي يتناولها المواطن الأمريكي - في حين قلت أنا في المقال الثاني:
.. وفي حين يعتبر الكرم لدينا منافسة غذائية (حيث ترى الصواني تُملأ في الأفراح والمناسبات بجبال الأرز) يوزع اليابانيون في حفلاتهم قطعاً صغيرة من السوشي المغطى بطبقة رقيقة من جلد السمك..!!
.. نعم.. صحيح ان لنوعية الطعام دوراً مساوياً في انتشار البدانة (خصوصاً السكريات والكربوهيدارات) إلا أن لحجم الطبق أيضاً دوراً لا يمكن إنكاره. فطبق مكرونة بالجبن في أحد مطاعم نيويورك يتضمن 1000 سعرة حرارية، في حين لا يتضمن في مطعم باريسي أكثر من 400 سعرة حرارية (وكلاهما منتج كربوهيدارتي مليء بالدسم)!!
لهذا السبب من المهم فعلاً تناول طعامنا في أطباق أصغر حجماً (من الموجودة الآن في مطبخك) كوننا نتأقلم دائماً مع حجم الوجبات الموجودة فيها - ونحاول بلا وعي الانتهاء منها بصرف النظر عن سعتها.
وحين تتأمل أحوال آبائنا وأجدادنا في الماضي تكتشف أن سر الرشاقة التي كانوا يتمتعون بها تعود أساساً إلى قلة الزاد وشح الأطباق واعتمادهم على نظام الوجبتين فقط.. وفي المقابل تسببت رفاهية الأبناء هذه الأيام (ليس فقط في ازدراد كميات أكبر من الأطعمة السيئة) بل وإضافة وجبة ليلية ثالثة ورابعة لا تختلف في ثقلها ومحتواها عن وجبة الغداء بسبب نومنا المتأخر.. ففي الماضي - قبل أن تخترع الكهرباء ويتعلم الناس السهر مع التلفزيون - كان النظام الطبيعي هو تناول الوجبة الرئيسية بعد الاستيقاظ مباشرة ثم الانشغال بطلب الرزق حتى المساء ثم العودة لتناول الوجبة الثانية ثم النوم بعد صلاة العشاء مباشرة.. ورغم أن هذا الترتيب يبدو اليوم مستبعداً إلا أنه يعد أفضل نظام غذائي يتوافق مع برمجة الجسد في النوم والاستيقاظ والعمل - بل قد يكون الحل الأمثل للعديد من المشاكل الصحية المعاصرة (كالبدانة والسكر والضغط وتهتك الشرايين)!!
وقد يصعب علينا تصور العودة إلى نظام الوجبتين فقط؛ ولكن الحقيقة هي أننا نمر بهذه التجربة خلال شهر رمضان الحالي.. ففي هذا الشهر بالذات يتغير نظامنا الغذائي ويتعود جهازنا الهضمي على النظام الجديد بحيث يختفي شعورنا بالجوع (خلال النهار) والتخمة والامتلاء (ساعة الإفطار) (وهذا بحد ذاته دليل على قدرتنا على الاكتفاء بوجبتين في اليوم فقط)!
.. ولك أن تتخيل الاستمرار على هذا النهج حتى بعد شهر رمضان والاستمرار عليه كنظام دائم لتخفيض الوزن وزيادة النشاط والحد من مخاطر السكر والكوليسترول (علماً أنني لا أتحدث عن استمرار فترة الصيام الصارمة بل استمرار نظام الوجبتين التي تعودت عليهما خلال رمضان)..
على أي حال؛ هناك احتمال كبير بأنك ستنسى غداً معظم ما جاء في هذا المقال، ولكن يكفيني فقط أن تتذكر دائماً هذه الجملة: (اشترِ أطباقاً أصغر)!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق