الأربعاء، 8 يناير 2020

لا حل بلا تخفيض


في البداية ندعو بالرحمة والمغفرة لضحايا حادث التدافع في منى..

وفي كل حادث من هذا النوع يوجد عاملان مهمان لا يجوز أن نُركز أو نلقي اللوم على أحدهما دون الآخر..

الجانب الأول: الإمكانيات والاستعدادات المادية..

والثاني: التصرفات البشرية ومدى وعي الفرد وقدرته على التصرف في حالات الازدحام والتدافع (وهو ما أصبح يعرف بعلم الحشود)..

وفي حين يمكن التحكم بالجانب الأول وتطويره باستمرار (وهو ماحصل فعلاً من خلال مشروعات التوسعة المتواصلة في المشاعر المقدسة) لا يمكن التنبؤ بتصرفات الأفراد ولا التحكم بتدافع الحشود..

لا يمكنك التحكم بالجانب البشري أو توقع تصرفاته كونك تتحدث عن آلاف الإرادات الصغيرة، والخيارات الفردية، والأحكام الشخصية.. لا يمكن لخمسة من رجال الطوارئ (كما رأيت بعيني) إقناع حاج واحد فقط بخطورة الافتراش في الطريق - ناهيك عن توجيه آلاف الجنسيات لاتخاذ هذا المسار أو ذاك..

ولأنك لا تستطيع التحكم بالجانب البشري (خصوصاً حين تتعامل مع مئة لغة وجنسية) ولأن الحجيج أنفسهم لا يملكون خبرة أو وعياً مسبقاًً ستقع الحوادث لا محالة مهما وسعنا وطورنا وحرصنا وصرفنا.. ستحدث حتماً لأنك تتحدث عن حشود هائلة تزور الموقع لأول مرة ولا تملك خيارات كثيرة للتحرك أو الانتظار (بعكس من جرّب الحج عدة مرات ويملك خبرات مسبقة بخصوص كيف ومتى يتحرك)..

لهذا السبب أعتقد شخصياً أن حوادث الحجيج قد تستمر في الأعوام القادمة (كما استمرت في السنوات الماضية) مهما حرصت دولتنا وصرفت على مشروعات التوسعة العملاقة.. قد تستمر لأن ما من دولة في العالم يمكنها ببساطة التنبؤ بتصرف آلاف الأشخاص حين يواجهون أي مأزق طارئ.. ولأن الحل لا يكمن فقط في التوسعة والتطوير بل وأيضاً في عشوائية الحشود البشرية.. ولأن ما من توسعة تستوعب الارتفاع المضطرد في سكان العالم الإسلامي ورغبة ملايين المسلمين في التواجد في بقعة صغيرة كمنى.. (حتى الوقت) لن يسعفك للقيام بحملات توعية فعالة كونك تتعامل مع مئة جنسية يأتون المكان لأول مرة، ولا يبقون فيه لأكثر من يومين أو ثلاثة..

لا ينكر أحد حجم المشروعات والأموال التي صرفتها الدولة السعودية في مشروعات التطوير والتوسعة (وبشكل يفوق بمراحل كافة الدول السابقة) ولكن إلى متى سيحدث ذلك!؟

مساحة المشاعر محدودة، وأعداد المسلمين في ارتفاع؛ وحان الوقت للاعتراف بخطورة وجود مثل هذه الأعداد الكبيرة، في مناطق صغيرة، ولساعات قصيرة..

الحل (الذي يتقدم في نظري على مشروعات التوسعة) هو تخفيض عدد الحجيج بما يتناسب مع جغرافية المكان - لا مع ما يتناسب مع ارتفاع عدد المسلمين حول العالم..

الحل الذي يفرضه الواقع هو تقليل عدد الحجيج إلى مليون حاج فقط في العام..

وحتى هذا الرقم نذكره من باب أهون الضرر لأن ما من دولة في العالم تضمن عدم حدوث كوارث مميتة (من تدافع ودهس وحريق وأوبئة) حين يتحاشر مثل هذا العدد في بقعة محدودة كمنى - ناهيك عن المسعى والمطاف..

إن لم يحدث ذلك؛ لا يتوقع أحد عدم ظهور حوادث جديدة في السنوات التالية كونك لا تستطيع التحكم بتصرفات الحشود ولا التنبؤ بإرادات مليوني حاج يزورون المكان لأول مرة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...