نسمع بين الحين والآخر عن عمليات تهريب أطفال لمواقع القتال في سورية والعراق.. رجال ونساء وعائلات بأكملها تهرب بأطفالها للمشاركة في غزوات الدواعش في تجاهل تام لحقوق الطفل وعجز الأطفال عن اتخاذ قراراتهم بأنفسهم...
نسمع عن فتيات مراهقات من أوروبا والمغرب العربي هاجرن إلى سورية للمشاركة في حملات الجهاد وانتهى بهن الحال كسبايا أو زوجات متعة يطفن على المجاهدين فيما يسمى جهاد النكاح (من بينهن 500 فتاة من بريطانيا فقط)..
إن كان التاريخ يعيد نفسه فعلاً فمن المؤكد أننا نعيش في القرن الثالث عشر وليس الواحد والعشرين حين انتشرت في أوروبا أيضا ظاهرة حشر الأطفال في "الحروب المقدسة".. ففي عام 1212 مثلاً ظهرت في فرنسا حملة قادها طفل تربى في دير متزمت يدعى ستايفان ادّعى أنه مرسول الرب لتحرير القدس من أيدي المسلمين.. وكان على صغر سنه فصيحاً جريئاً ادّعى أن الله يئس من نجاح الملوك والفرسان في تحرير القدس فأوكل هذه المهمة إلى أطفاله المخلصين.. وخلال أشهر قليلة انضم إلى معسكره أكثر من 30 ألف طفل فرنسي سلمهم آباؤهم طواعية طمعاً في رضا الرب.. وحين وصلوا إلى ميناء مرسيليا جنوباً استقبلهم الناس بكثير من الاحترام والتبجيل.. غير أن أصحاب المراكب رفضوا نقلهم إلى فلسطين خوفاً من الأسر أو المواجهة مع المسلمين.. ولكنهم سرعان ما اتفقوا سراً على نقلهم مجاناً وبيعهم كعبيد في مصر وشمال أفريقيا أو كفتيان متعة للمجاهدين الصليبيين في المناطق المستقرة في الشام!!
... وبعد انتهاء دعوة ستايفان في فرنسا، ظهر في ألمانيا طفل آخر يدعى نكولاس ادّعى تكليفه من قبل الرهبان للقيام بنفس المهمة.. وبدافع من المشاعر الدينية المتأججة لقيت دعوته ترحيباً كبيراً في المقاطعات الألمانية وتمكن من جمع 40 ألف طفل حوله (يعد حتى اليوم أضخم جيش للأطفال في التاريخ).. وكانت خطة نكولاس تقضي بقطع جبال الألب ودخول إيطاليا من شمالها ثم زيارة الفاتيكان ونيل بركة البابا ثم التحرك بالسفن نحو فلسطين.. غير أن عدداً كبيراً من الأطفال ماتوا من الجوع والبرد أثناء قطعهم جبال الألب الشاهقة. وحين هبطوا في شمال إيطاليا فوجئ بهم السكان فرفضوا إيواءهم وإطعامهم فانخفض عدد الجيش إلى النصف.. وزاد الطين بلة رفض البابا استقبالهم الأمر الذي فسره الإيطاليون كرفض سماوي فرفضوا التعامل معهم وبدأوا بمطاردتهم في كل مكان. وحين وصلوا في النهاية إلى الموانئ الإيطالية في الجنوب لم يكن قد تبقى منهم غير 3000 طفل نقلوا بدورهم إلى أسواق النخاسة في المشرق العربي حيث بيعوا كعبيد أو فتيان متعة!!
... وهذه كانت فقط أكبر حملتين من أطفال أوروبا تلتها حملات أصغر انطلقت من أسبانيا وإنجلترا وإيطاليا.. ولم تكن لتظهر لولا وجود خطاب ديني متطرف استغل حينها المراهقين وصغار السن في حروب (غير مقدسة) لا يرتضيها لأبنائهم من رتب لظهورها.. وحين تتأمل حال أوروبا المتحضرة اليوم (التي تمنع حتى توظيف الأطفال) تدرك قدرة الخطاب الديني المنحرف على التلاعب بمشاعر الناس وإقناعهم بالتضحية حتى بأبنائهم.. فحين يحشر "الأمر الإلهي" في الدعاوى المنحرفة يصبح كل شيء
مباحاً ومقبولاً ولا يبقى للعقل والمنطق أي سلطة.. وأكاد أجزم أن أوروبا الحديثة لا تخجل من شيء في تاريخها مثل خجلها من تنظيم حملات الأطفال المقدسة التي باركها الآباء، ورتبها رجال الدين، وشاركت الكنائس في الدعوة لها..
وفي حين استفادت أوروبا الحديثة من تجاربها القديمة؛ أتساءل.. متى تستفيد مجتمعاتنا العربية من تجاربها الحالية؟ متى سنتوقف عن تصدير المراهقين والشباب لخوض معارك يشنها الخوارج (بعكس الصليبيين) على أشقاء مسلمين يشتركون معهم في العرق والدين..؟
هل تريدون الانتظار 700 عام كي نسجل خجلنا مما يحدث الآن !؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق