الأحد، 5 يناير 2020

مشكلتنا مع هذه «الكلمة»


أذكر أيام دراستي في المرحلة الثانوية أن مديرية الأمن العام أقامت معرضاً للمخدرات دار على معظم المدن السعودية.. كان يتضمن شرحا لأنواع المخدرات وأضرارها وطرق صنعها والأساليب المبتكرة لتهريبها.. وأذكر جيدا أن المعلمين حينها انقسموا ما بين معارض لزيارة الطلاب للمعرض (بحجة أنه يفتح أذهانهم على أنواع المخدرات)، وبين مؤيد لزيارته والاطلاع على محتوياته (بحجة أنك لن تعرف الحق قبل أن تعرف الباطل)!

وهذه بالضبط أيها السادة مشكلتنا في الحديث عن الجنس مع أطفالنا.. هل نخفي عنهم كل شيء، أم نستبق كل شيء ونحدثهم بكل شيء؟

مجرد المطالبة بتدريسهم الثقافة الجنسية يسبب انقساما بين محافظ يخشى تفتح الطلاب، ومؤيد يرى أن تثقيفهم حماية لهم من الخطأ والزلل وحدوث مالا تحمد عقباه..

وبدون شك لم تكن هذه المشكلة لتظهر لو اتفقنا أولا على التفريق بين الجدية والإسفاف عند الحديث معهم في هذا الموضوع.. لم تكن لتظهر لو لم نكن شعبا متحفظا يرفض حتى الحديث سرا مع أبنائه بخصوص "الجنس"..

الغريب فعلا أن تحفظنا الحالي لا يتفق مع تاريخنا العربي، ولا أصلنا البدوي، ولا حتى مع ديننا الاسلامي (وسأخبرك لماذا)..

فالعرب كانوا من أكثر الشعوب سماحة فيما يتعلق بالحديث عن الجنس بدليل وجود أكثر من 72 كلمة تصف الفعل ذاته (ووجود أسماء دقيقة للأعضاء التناسلية تفوق أسماء القبائل والخيول والسيوف مجتمعين).. وبعد دخولهم الإسلام صحيح أن الوضع انضبط من الناحية الشرعية ولكن حالة الانفتاح نفسها استمرت بنفس المستوى بدليل تعدد الزوجات (حيث تزوج المغيرة بن شعبة وطلق أكثر من سبعين امرأة)، وانتشار الجواري وما ملكت الأيمان (حيث امتلك بعض الصحابة أكثر من 300 جارية) وشيوع السبي من النساء بعد كل فتح (لدرجة فاضت بهن أسواق المدينة)..

وحتى وقت قريب كان جدي وجدك بل وأبناء القرى هذه الأيام أكثر انفتاحا وفهما لهذا الموضوع بحكم تواجدهم الدائم مع الماشية والمخلوقات الأليفة ومشاهدة لحظات الغزل بينها (وهو مالا يتوفر لأبناء المدن هذه الأيام الذين أصبحوا لأول مرة في التاريخ يملكون أفكارا خاطئة عن كيفية تشكل الأطفال وخروجهم للدنيا)!

أما القرآن الكريم والسنة النبوية فلم يتحرجا من الحديث عن الفعل ذاته ولكن في إطار من الأدب والتعميم والبعد عن التفاصيل مثل قوله تعالى (فلما تغشاها حملت حملا خفيفا)، و(نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)، وقول الرسول الكريم (في بضع أحدكم صدقة)، أو (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج)!

.. كل هذا يثبت أننا نعيش هذه الأيام حالة استثنائية من التحفظ، وعباءة مصطنعة من التملق، وعقبات تعيق التقاء الجنسين بالحلال.. والأسوأ وجود اتفاق جماعي على الصمت والإنكار رغم أنه أصل الانسان ومن أقوى الغرائز لديه..

.. على أي حال؛

كلّ ما سبق كان مجرد مقدمة طالت حتى تحولت لمقال مستقل (لدرجة غيرت العنوان الأصلي واستبدلته بالعنوان أعلاه)..

فالعنوان الأصلي لهذا المقال كان "سبعة أسباب لتدريس الجنس في المدارس" وضرورة تكليف معلمين أفاضل بهذه المهمة.. تدريسه في إطار من الأدب والتعميم حماية لأطفالنا من الزلل، والمجتمع من الخلل، واستباقنا لحتمية تعلمه من أصدقاء السوء ومواقع النت..

ووافوني في المقال القادم لأخبركم عن سبعة أسباب تؤيد اقتراحي هذا!‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...