الأحد، 5 يناير 2020

بخصوص العام الدراسي الجديد


في مطلع كل عام جديد أتساءل عن عدد الأطفال الذين سيجلسون على مقاعد الدراسة لأول مرة في حياتهم.. يهمني عددهم في أول سنة ابتدائية كونه يخبرنا بعددهم في المراحل المقبلة، ومن سيدخلون الجامعات بعد 12 سنة، والداخلون لسوق العمل بعد 16 سنة، ومن سيقود البلاد بعد 36 سنة..

فقد تحدثنا كثيراً عن أزمات التعليم الجامعي وقلة الكليات وعدد المبتعثين في دول العالم.. ولكن ماذا عن الأساس؟.. ماذا عن أصل العملية التعليمية كلها؟.. لماذا لم نتحرك جدياً لبحث أزمات المدارس الابتدائية؟.. ماذا عن الازدحام وضعف المتخصصين وغلبة المستأجر وعجزها عاماً بعد عام عن استيعاب الموجات الجديدة من الأطفال (بدليل الارتفاع الكبير للطلاب في الفصل الواحد)؟

وما يجعلني أرى ذات الأزمة في كل عام أننا (يخزي العين) من اكثر المجتمعات تناسلاً بمعدل نمو سنوي يبلغ 3 بالمئة. وهذه النسبة تعني أننا نتضاعف كل عشرين عاماً وأن مدارسنا تستقبل كل عام قرابة النصف مليون طفل جديد في الصف الأول الابتدائي فقط (يضافون لمليونين ونصف في كامل المرحلة الابتدائية وخمسة ملايين طالب موجودين أصلا في المراحل المتوسطة والثانوية والمعاهد الخاصة)!!

وهذه الأرقام كبيرة ومخيفة وتحتاج الى أموال وإمكانيات يصعب ملاحقتها -رغم استحواذ التعليم على نصيب الأسد من ميزانية الدولة-.. فهذه الأرقام تعني أننا نحتاج سنويا إلى 1653 مدرسة جديدة (بواقع مدرسة لكل 300 طالب) وإلى 49600 معلم جديد (بواقع 30 معلماً لكل مدرسة)!!

.. وفي المقابل هناك دول اكثر منا ثراء وإمكانيات ومع ذلك لا تعاني من مشكلة تزايد الطلاب في المراحل الأولى. ففي ألمانيا والمجر واليابان وإيطاليا لم يثبت معدل السكان فحسب بل بدأ في التناقص.. وهذا يعنى انهم لم يعودوا بحاجة لمدارس جديدة - بل بدأوا فعلا بإغلاق أعداد كبيرة منها عاما بعد عام.. وحين لا تحتاج دول ثرية مثل ألمانيا واليابان إلى بناء المزيد من المدارس ستركز بالتأكيد على تحسين نوعية التعليم والالتفات إلى الكيف لا الكم - والوصول لما نسبته معلم لكل عشره طلاب..

حتى في المجر (وهي دولة لا تقارن بألمانيا أو اليابان) انخفضت أعداد الطلاب لمستوى توفير معلم لكل 11,2 تلميذ في المرحلة الابتدائية، ومعلم لكل 12,2 تلميذ في المرحلة المتوسطة، ومعلم لكل خمسه طلاب في المرحله الثانوية.

بالطبع لا يجرؤ أحد على مطالبة السعوديين بالتوقف عن الإنجاب (وإن كنت طالبت بتنظيمه في مقال: لنتوقف عن التناسل قليلاً).. كما لا أتوقع قبول الآباء دفع رسوم مالية للارتقاء بالعملية التعليمية؛ وعليه أرى أن تطرح وزارة التعليم هذه المعضلة على الموجهين والمشرفين ومديري التعليم لتقديم أفضل الحلول لاستيعاب الطلاب الجدد بأقل التكاليف..

ومادمت أول من تورط بهذا الاقتراح أرى ان نلجأ -ولو موقتا- إلى الحلول التالية:

استغلال المدرسة الواحدة لفترتين دراسيتين صباحية ومسائية مقابل التخلص نهائياً عن المدارس المستأجرة..

تسهيل وتشجيع افتتاح المدارس الأهلية والمتخصصة، مع الجدية في مساواة رواتب المعلمين الوطنيين مع المدارس الحكومية!

حث البنوك والشركات والقطاع الخاص على الاستثمار في بناء مدارس نموذجية تسدد قيمتها الدولة بنظام الإيجار السنوي..

التفكير جدياً في دمج الجنسين في الثلاث سنوات الأولى من المرحلة الابتدائية لمضاعفة فرص توزيعهم على المدارس من جهة - ومن جهة أخرى زيادة فرص توظيف المعلمات العاطلات عن العمل..

.. ولاحظ أن مقالنا كله من أجل زيادة فرص استيعاب الأطفال الجدد في الصفوف الأولية.. أما الحديث عن رفع كفاءة التعليم الابتدائي ذاته (والمستوى النوعي للطلاب المعلمين) فحديث ذو شجون لا يخفى على وزير التعليم وقد أخصص له مقالاً لاحقاً..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...