الخميس، 2 يناير 2020

الكذابون الثلاثون


قلت لأحد أقربائي: أعرف أكثر من عشرين شخصاً ادّعوا النبوة في عصرنا الحالي فقط.. فقال بلا تردد: أنا شخصياً قابلت واحداً منهم البارحة.. ظننته يسخر مني حتى قال: البارحة ذهبت لأداء صلاة التراويح في المسجد النبوي فتوقفتْ بجانبي سيارة يقودها رجل تبدو عليه علامات التقوى والصلاح.. عرض توصيلي معه إلى الحرم فركبت معه بلا تردد.. وحين تحركت السيارة كادت "ملزمة أوراق" يضعها فوق التابلو تسقط أمامي فأمسكتها بسرعة فقال: اتركها من يدك فهذا قرآن لم تكتمل آياته.. لم أفهم قصده فقلت: "كيف لم تكتمل آياته"؟ قال: أنا نبي جديد وهذا قرآني الذي لم يكتمل.. قال: فأدركت أنه رجل مجنون فسكت تماماً، ولكنه أكمل هو كلامه قائلاً: أعرف أنه يصعب عليك تصديقي ولكن دعنا نلتقي بعد الصلاة لأشرح لك دعوتي وعسى الله أن يشرح صدرك للإيمان!!

... قال شقيق زوجتي: وحين انتهت الصلاة خرجت هارباً من الطرف الآخر من الحرم خشية التقائي به مجدداً!

تذكرت اليوم هذه القصة العجيبة بعد عثوري على قصاصة قديمة من صحيفة عكاظ (بتاريخ 9 رمضان الماضي) تحمل عنواناً يقول:

"ضبط 323 مدعي نبوة ومريضاً نفسياً في ساحات الحرم خلال 3 أعوام"

.. وتضمن التقرير تصريحاً لعدد من القيادات الأمنية يؤكد ارتفاع أعداد المهووسين بفكرة النبوة الذين يتم القبض عليهم سنوياً في الحرم المكي.. وبهذا الخصوص يقول اللواء يحيي الزهراني: "في عام 1434 تم القبض 104 حالات لمرضى نفسيين 10 منها تدعي أنها المهدي المنتظر.. وحتى شهر رمضان (الماضي) تم القبض على 120 حالة من هذا النوع فقط"!!

... ومن المعروف أن هناك حديثاً يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم (سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي)..

وحسب تصوري ان المقصود من "الثلاثين" هنا هم الأكثر أتباعاً كون الادعاءات الفردية أكثر من أن يتم حصرها في التاريخ.. فادعاءات النبوة ظهرت حتى قبل وفاة الرسول نفسه في معظم القبائل العربية.. خذ كمثال مسيلمة الكذاب الذي اقترح على النبي "مناصفة الأرض" بين قريش واليمامة.. والأسود العنسي الذي جاهر بدعوته في اليمن.. وطليحة بن خويلد الذي ظهر في بني أسد.. وسجاح بنت الحارث التميمي شاعرة بني تغلب الفاتنة.. وبحلول العهد الأموي والعباسي تفاقم الأمر لدرجة سئم الخلفاء من كثرتهم فأمروا عمالهم بقتلهم "بلا محاكمة" فلم ينج منهم إلا القليل (من أبرزهم رسول الشعراء.. المُتنبئ)!

وبدل أن تخف الظاهرة في عصرنا الحديث تفاقمت تحت دعوى المهدي المنتظر.. ففي نهاية القرن ال13 الهجري ظهر في السودان "محمد بن عبدالله" الذي عانى منه حتى الاحتلال البريطاني.. وفي نفس الوقت تقريباً ظهر في المغرب من يدعي أنه المهدي المنتظر ويحمل أيضاً اسم "محمد بن عبدالله" وازدهرت دعوته لتسع سنوات.. وفي نهاية القرن الرابع عشر للهجرة اقتحمت مجموعة مسلحة بيت الله الحرام وسفكت دماء الزوار والمصلين تحت دعوى "المهدي المنتظر"..

أما في القارة الهندية فظهر أكثر من 173 مدعي نبوة في خلال القرنين الماضيين فقط.. ومن أبرز هؤلاء مرزا غلام أحمد القادياني المولود في بنجاب الهند عام 1839 الذي ادعى أنه المهدي المنتظر ثم المسيح الموعود ثم أعلن نبوءته زاعماً إلغاء نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (وتعرف طائفته حتى اليوم باسم القاديانية)!!

... أنا شخصياً فوجئت بالأرقام التي قرأتها في صحيفة عكاظ (عدد17481 صفحة14) وأتصور أن انتشار الدعوات الباطلة عبر الانترنت سيتمخض عنه المزيد من ادعاءات النبوة الصريحة أو المبطنة أكثر من أي عصر مضى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...