الأربعاء، 8 يناير 2020

الثلث الأوسط من الطب


ثُلث الطب بلاسيبو أو وهم حميد..

وثلثه الثاني ادعاء ودجل ولعب على مشاعر الناس..

وثلثه الأخير أطباء مخلصون وعلاجات مادية حقيقية..

وفي حين تحدثت عن الوهم الحميد (أو البلاسيبو) في أكثر من مقال.. وفي حين لا يحتاج "الأطباء المخلصون" لتعريف، يتبقى لدينا أولئك المدعون الذين يحققون رغم زيفهم نسب علاج مرتفعة...

أنا شخصياً لست من المعجبين كثيراً بالطب الشعبي.. وهذا ليس لشيء، سوى أنه إجراء غير مجرب يقوم به شخص غير مؤهل.. لا يمكن مقارنته بالطب الرسمي حيث يجرب العلاج الجديد على آلاف المتطوعين ولسنوات طويلة قبل السماح بتداوله. ومن العجيب أن معظم من يدعون الطب الشعبي (ناهيك عن علاج المس والصرع وانفصام الشخصية) لا يملكون تأهيلاً صحياً معترفاً به ومع هذا لا يتعرضون لطائلة المحاسبة أو مخالفة القانون بقدر من يقطع إشارة أو يتأخر في رخصة أو إقامة.. وفي حين يرفض جميعنا إصلاح سيارته لدى غير الميكانيكي يقبل بإخضاع جسده لغير طبيب متخصص لا يجيد حتى كتابة اسمه!!

ورغم اعترافي بنجاح الطب الشعبي في بعض الحالات إلا انه نجاح يعتمد إما على تأثير البلاسيبو أو قانون زهير بن أبي سلمى:

"المَنايَا خبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ تُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِىءْ يُعَمَّرْ".. ويكسب الطبيب الفضل والأجر...

وحين فكرت في الأسباب التي قد تساهم في نجاح الطب الشعبي أو البديل وجدت أسباباً تعود إلى طبيعة الأمراض نفسها وأخرى إلى شخصية المريض وخلفيته الثقافية..

فعلى سبيل المثال:

معظم الأمراض لها فترة محدودة تنتهي بعدها بشكل طبيعي سواء بعلاج أو بدون علاج.. وهذه الظاهرة تساعد مدعي الطب على تسويق نفسه كسبب أساسي في الشفاء فتراه مثلاً ينصح المريض بتناول هذه الأعشاب أو تلك الخلطات (حتى يمنّ الله عليه بالعافية)!!

ومن جهة أخرى هناك جهاز المناعة الذي يعمل على مقاومة الأمراض بشكل تلقائي وينجح في الغالب بدون مساعدة خارجية.. فيظن المريض أنه السبب!!

والتأثير الوهمي قد يلعب أيضاً دوراً كبيراً في الشفاء.. فمن المعروف أن نسبة الشفاء بسبب هذا التأثير تصل إلى90% في بعض الأمراض.. وهذا التأثير (الذي يعرفه الأطباء باسم البلاسيبو) يظهر بمجرد جلوس المريض في حضرة دجال ضربت شهرته الآفاق!!

ليس هذا وحسب؛ بل اكتشف مؤخراً أن العلاج بالوهم له تأثير فعلي حقيقي بجانب التأثير النفسي المعروف. فحين يتم خداع المخ (المسيطر على أعضاء الجسم) يعمل على حث جهاز المناعة على إبداء المزيد من المقاومة، ويفرز موادَّ محفزة ويهيئ الجسم بأكمله نحو الشفاء!!

وكثير من الناس يلجأون لأدعياء الطب بعد علاجهم في المستشفيات أو على يد أطباء متخصصين. ولأن نتائجها تتأخر في الظهور قد يلجأ المريض للطب البديل أو الأطباء الشعبيين.. وفي هذا الوقت بالذات تظهر نتائج العلاج القديم فيعيد المريض الفضل إليهم!

وفي أحيان كثيرة لا يفلح الطبيب الشعبي في شفاء الحالة ويتخبط فعلا في كل اتجاه.. ورغم أن المريض أول من يكتشف هذا العجز يستمر في الترويج له بدافع خلفيته الثقافية او مسايرة لوسطه اجتماعي تصعب معارضته (وبيني وبينك حتى وزارة الصحة يصعب عليها الوقوف في وجه طبيب شعبي أو راق شرعي ضربت شهرته الأفاق)!!

كل هذه العوامل حين تتداخل قد تخدع أذكى الناس وتجعله يعتقد بفعالية علاج ما، في حين انه فاشل أو مزيف..

مايثير دهشتي بالفعل؛ ليس نجاح أدعياء الطب أو العلاجات المزيفة؛ بل عدم استغلال كليات الطب والأطباء الرسميين لجميع العوامل السابقة لصالحهم..

يكفي تأثير البلاسيبو الذي يكفل لوحده علاج معظم الأمراض البسيطة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...