الأربعاء، 8 يناير 2020

أعظم صادرات السعودية


يحكى أن سائحاً أميركياً دخل أحد الفنادق وطلب أفضل غرفة فيه.. أعطى موظف الاستقبال "مئة دولار" كعربون ريثما يصعد ويرى الغرفة بنفسه.. موظف الاستقبال دفع المئة دولار لبقال اشترى منه طعاماً بالدين.. البقال دفع المئة دولار لتاجر خضروات.. تاجر الخضروات دفعها للمزارع.. المزارع دفعها لشركة الأسمدة.. الشركة صرفتها كراتب لمدير فاسد.. المدير الفاسد دفعها لعاهرة أشد فساداً.. العاهرة أخذت المئة دولار وأعادتها للفندق نظير إقامتها في الليلة السابقة.. وحين خرجت من الفندق نزل السائح الأميركي وقال غاضباً: تعطل بي مصعدكم ولن أسكن أبداً في هذا الفندق.. استعاد المئة دولار وخرج بلا رجعه!!

... والآن؛ هل يمكنك إخباري أين ذهبت المئة دولار؟

هل لاحظت كيف تمكنت ورقة نقدية (واحدة) من تأدية خدمات ومنافع كثيرة؟

... سأترك لك مهمة الإجابة وأنتقل معك مباشرة إلى قصة مماثلة تتكرر كثيراً في السعودية:

في إحدى الاستراحات جلس خمسة تجار بشكل دائري.. أخرج الأول من جيبه مئة ريال واشترى شيئاً من الثاني.. الثاني اشترى لزوجته شيئاً من الثالث، والثالث اشترى شيئاً لعائلته من الرابع، والرابع اشترى من الخامس شيئاً لابنه البكر.. وحين وصلت إلى الخامس أعادها من جديد الى التاجر الأول ليشتري منه شيئاً يحتاجه..

بهذه الطريقة تصبح (المئة ريال) محصورة في دائرة مغلقة يستفيد منها الجميع وتلبي حاجة الجميع وتدور بين الجميع مرات عديدة.. ليس هذا فحسب بل لاحظ أن الأموال ستتراكم (حين يخرجون أوراقاً نقدية إضافية يتم تداولها فيما بينهم) وبالتالي يرتفع معدل الأموال المتداولة في أيديهم ويصبح الجميع أثرياء والمجتمع أغنى من النرويج ولوكسمبورج!

... ولكن ماذا لو كسر أحدهم دائرة التداول في المثالين السابقين؟

... ماذا لو سرق موظف الفندق المئة دولار وهرب؟

... ماذا لو خرج "المواطن الثالث" من المجلس وحول المئة ريال إلى دولة خارجية!!

في هذه الحالة ستضيع "المئة دولار" وينزف الوطن ويضطر المواطنون إلى إخراج "مئة ريال جديدة"!!

... غير أن المشكلة الأزلية تتكرر بلا وعي واهتمام من المواطن الثالث.. ففي حين نضطر نحن إلى إخراج مئة ريال جديدة يسارع هو إلى تهريبها مجدداً إلى "الخارج" ويحرم البقية من تداول ما أصبح مجموعه (مئتي ريال) ... تتحول بمرور السنين إلى بليونين وثلاثة وأربعة..!

... هذا في الحقيقة هو ما يحدث على مستوى السعودية بحيث أصبح المال (وليس النفط) هو أعظم صادراتنا.. ففي كل مجتمع يتداول الناس المنافع، وتتراكم في أيديهم الأموال عاماً بعد عام بفضل انغلاق الدائرة وتوالد ثروات إضافية.. ولكن إن كان هناك نزيف مالي واقتصادي (وأشخاص يساهمون في تحويل الأموال إلى باكستان والهند وبنغلاديش) ستنقطع الدائرة مراراً وتكراراً حتى يعجز معظم الأفراد عن إخراج (مئة جديدة) فتضعف القدرة الشرائية وتكسد حركة التجارة!

وقد تنبهت دول كثيرة خصوصاً الأنظمة الاشتراكية في الماضي إلى خطورة النزيف المالي فوضعت قيوداً على التحويلات المالية أو نقلها بصفة شخصية.. وفي المقابل تعد السعودية من أكثر الدول انفتاحاً وتحويلاً للأموال (بل وأول دولة خليجية وعربية اعتمدت نظام حرية التحويل منذ عام1961).. وفي كل عام يعلن فيها البنك الدولي عن أكثر الدول تحويلاً للأموال تأتي السعودية في المركز الثاني (بعد أميركا) من حيث تصدير الأموال.. ولكن لو قارنت سكان أميركا (واقتصادها الذي يفوقنا بأضعاف أضعاف) لاكتشفت أنها أخف نزيفاً وتضررا وبأضعاف أضعاف..

ما أطالب به ليس فرض قيود على حرية التحويل وحركة الأموال (خصوصاً بعد دخولنا عصر العولمة والتجارة الحرة) بل ضرورة وضع تنظيمات تحد من تصدير الأموال، وترفع كلفة توظيف "الأجنبي" وتجعل توظيف "المواطن" خياراً اقتصادياً مربحاً..

هل تعلم وزارة العمل مثلاً أن مجرد السماح للأجنبي باستقدام زوجته وأطفاله يجبره على صرف 90% من دخله في السعودية؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...