الخميس، 2 يناير 2020

إلى أي حد تملأ الوعاء


لم يتوقف الإنسان يوماً عن حلمه القديم بالخلود والعثور على أكسير الشباب.. لم يتوقف منذ كان في الجنة حين أغوى الشيطان أبوينا آدم وحواء وقال لهما (مَا نهَاكُمَا رَبُّكما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا ملكيْنِ أَوْ تكُونا مِنَ الْخالِدِين)...

فرغم كثرة الادعاءات والخزعبلات.. ورغم كثرة الأساطير والخرافات.. ورغم كثرة الفرضيات والتجارب العلمية؛ لم ينجح الإنسان في العثور على اكسير الخلود أو نبع الشباب...

أقرب محاولة ناجحة كانت حالة لم يجربها معظمنا في رمضان الفائت تدعى "الجوع"...

نعم أيها السادة؛ فبعد كل هذا التاريخ من المحاولات والتجارب الفاشلة اتضح أن أفضل طريقة لإطالة العمر هي عدم تناول أي شيء على الاطلاق!!

فمنذ ثلاثينات القرن الماضي ثبت أن الفئران التي تأكل أقل تعيش ضعف الفئران التي تأكل بإفراط. وتم التأكد من هذه الحقيقة من خلال تجارب تكررت في دول كثيرة أجريت على القرود والأرانب وذباب الفاكهة ووو... وفي كل مرة يتضح أن الإقلال من تناول السعرات الحرارية (بنسبة 20 إلى 50 بالمئة) يؤدي إلى إطالة العمر (بنسبة 20 إلى 40 بالمئة)..

واليوم أصبح مؤكداً أن للجوع تأثيراً إيجابياً على الإنسان من حيث إطالة عمره وتأخير شيخوخته (وأصبح أسلوباً معترفاً به يدعى تقييد السعرات الحرارية)!

ومن التجارب المهمة في هذا المجال دراسة أجراها المعهد الأميركي لطب الشيخوخة على120 قرداً لخمسة عشر عاماً كاملة.. وخلال هذه المدة تم إعطاء نصف القرود طعاماً يقل بنسبة 30% عن النصف الآخر. وفي النهاية اتضح أن المجموعة التي غذيت بسعرات أقل عاشت لعمر أطول يعادل 114 عاماً لدى الإنسان!!

وقبل سنوات قليلة تابع معهد الشيخوخة في بالتيمور تأثير الحمية القاسية على المتطوعين فلاحظ انخفاض نسبة الأنسولين والضغط ودرجة الحرارة وهرمونات كثيرة مرتبطة بتغيرات الشيخوخة (وهي علامات إيجابية لوحظت أيضاً لدى الحيوانات المخبرية)..

والآلية التي يعمل من خلالها هذا النظام غير مفهومة حتى الآن بشكل دقيق. ولكن يعتقد أن الجوع يقلل من أكسدة الخلايا المعروف دورها المؤكد في الشيخوخة (هذا أولاً) أما ثانياً؛ فهو أن خلايا الجسم تتخذ موقفاً دفاعياً حين تواجه بنقص الطعام فتُخفض معدل عملها واستهلاكها للطاقة والغذاء فتعمر لفترة أطول...

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الإقلال من كمية الطعام لا يعني بالضرورة تبني أسلوب غذائي فقير وغير صحي.. فالإقلال هنا يجب أن يكون من حيث الكم (خصوصاً فيما يتعلق بالسكريات والكربوهيدات والمشروبات الصناعية) مقابل رفع نوعية الطعام ذاته (من خلال التركيز على الخضروات والبروتينات والفواكة وتناول الفيتامينات المكملة)...

وفي جميع الأحوال تذكر دائماً قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاء شر من بطنه...

وقبل أن أنسى: كم كيلو خسرت في رمضان المنصرم!!؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...