الأحد، 5 يناير 2020

مسافرو الفئة الثالثة


انتهت الإجازة وعادت جموع المواطنين من الخارج.. لم يعد بإمكاني الادعاء أن معظمهم من فئة المقتدرين وميسوري الحال كون فرص السفر أصبحت هذه الأيام متاحة لجميع الطبقات!

.. وبطبيعة الحال ينقسم سياحنا في الخارج إلى ثلاث فئات رئيسية:

عائلات تبحث مع أطفالها عن فرص الترفيه البريء (وهي المجموعة الأكبر)..

ورجال أعمال تشكل الفئة الأصغر (ولا ترتبط رحلاتها بمواسم الإجازات)..

وفئة ثالثة لا نتحدث عنها علنا (فئة الباحثين عن المتعة بمختلف أنواعها)..

ولأنه لا يمكن الحكم على نوايا الناس.. ولأن الفاسد بطبعه لن يمنعه الخارج عن الداخل؛ لا يتبقى لنا سوى توصيف مشكلة الفئة الثالثة ومحاولة البحث في أسبابها..

مازلت أذكر تلك الرسالة التي وصلتني من شاب بسيط يقول فيها:

"أنا شاب ملتزم ولله الحمد ولكنني لم أتزوج حتى الآن، وقد لاحظت من مقالاتك أنك كثير السفر ولديك اطلاع كبير بأحوال الشعوب. وهذا ما دعاني لسؤالك عن كيفية الزواج من تركيا بنية الطلاق لأنني مليت السفر إلى (شرق آسيا) والزواج من هناك..."!

صعقتني هذه الرسالة من عدة جوانب.. فغير أن الأخ اعتبرني خطابة، لم أتصور أن يتحول الأمر إلى ظاهرة أو تجارة تديرها مكاتب العمالة في هذه الدولة أو تلك. ورغم هذا تمالكت أعصابي (ولويت ذراعه) بهذه الجملة: "إن أخبرتني أنت كيف كنت تتزوج من (شرق آسيا) سأخبرك أنا كيف تتزوج من تركيا"!

.. وبعد يومين وجدت في بريدي الإلكتروني رسالة بعنوان "ان شاء الله نصبح نسايب" يقول فيها:

لم أتوقع أن يشدك موضوع الزواج من هناك وكنت أعتقد أنك تعلم عن هذا الموضوع.. فموضوع الزواج في (شرق آسيا) بات مشهورا وخاصة لدى السعوديين حيث يذهب الشباب للزواج بنية الطلاق وبعد أن يقضي إجازته يطلق زوجته. ولأنني أخاف الله وأخشى الحرام (!!) بحثت في مشروعية الزواج بنية الطلاق فوجدته موضوعا يميل معظم الفقهاء لتحليله..

والمؤسف (والكلام ما يزال له) أن موضوع الزواج بنية الطلاق اشتهر هناك وأصبح ملتصقا بالسعوديين وأصبحت المومسات يتلاعبن بشبابنا ودخلت دور الدعارة في الموضوع وأصبح النصب والاحتيال هو الشائع...!!

ثم يذكر تفاصيل دقيقة لا تصلح للنشر وكيف تحولت مكاتب العمالة هناك إلى مكاتب خطبة وزواج.. ثم ينهي رسالته بفقرة تلخص المأساة:

.. وصدقني لم أشأ لنفسي مثل هذا الأمر ولكنني مازلت عازبا وراتبي غير مجزٍ وبحثت عن زوجة لسنوات كثيرة ولم أجد أمامي إلا الذهاب إلى الدولة (س) حيث وجدت ضالتي. وهذا العام اتخذت قرارا بالذهاب إلى تركيا كونها أفضل وأجمل وسأتزوج هناك بالحلال وأذهب إليها كل عام.. والآن عليك بالمقابل ان تخبرني بما تعرفه بالتفصيل الممل وأنا جاهز لمساعدتك بالمثل..؟

وللمرة الثانية صعقتني صراحته (واحترت هل هي وقاحة أم براءة أم جهل بمقاصد الشرع).. ولأنه على قناعة بما يفعل، ولأنه يعتقد أنني أستطيع مساعدته بالفعل، لم أعرف كيف أجيبه فاكتفيت بإرسال خمس كلمات فقط: "سأخبرك بعد استشارة أم حسام"!!

الجديد في الموضوع أن بعض الاتقياء اقتحموا هذا المجال ووجدوا له مخرجا شرعيا من خلال مايسمى ب"زواج الباطن" أو "الزواج بنية الطلاق".. فالبعض يسافر إلى دولة معينة وفي نيته الزواج أثناء الإجازة ثم التطليق قبل رحلة العودة. ورغم اختلاف العلماء في هذا النوع من الزواج ترجح الغالبية جوازه وأفتى بإباحته عدد كبير من المشايخ - كونه لا يتضمن اتفاقا بين الطرفين على تحديد وقت معين وبالتالي لا يدخل تحت مايسمى "زواج المتعة"..

وسواء كانت الظاهرة قديمة (مسكوت عنها) أم جديدة (تمت شرعنتها) آن الأوان لمناقشتها بشكل علني وصريح وبحث الدوافع التي دعت (مراهقينا الكبار) للجوء لهذا النوع من الزواج..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...