الأحد، 5 يناير 2020

جسمك الصنوبري


هناك جوارح ومشاعر وأحاسيس لا يمكن تحديد مكانها في الجسم.. ففي حين يمكننا تحديد مركز السمع والبصر والشم في الدماغ، لا يمكننا تحديد موقع الروح والأخلاق والضمير والوفاء وكافة المشاعر الإنسانية في أي مكان من الجسد..

ومايزيد الأمور تعقيداً فشلنا في محاولة تحديد العضو المسؤول عن الأحاسيس الخارقة كالتخاطر والإلهام والحدس والحلم بالمستقبل.. ويعود هذا الفشل إلى أيام أرسطو وأفلاطون مروراً بابن سينا وابن رشد ووصولاً إلى التجارب المعقدة في عصرنا الحديث.. وقبل وقت طويل من اختراع الأشعة السينية وأجهزة التصوير المغناطيسية افترض العلماء وجود الحاسة السادسة (وماتشملها من تخاطر ورؤيا وشعور بالمخاطر) فيما يعرف بالجسم الصنوبري في الدماغ كأقرب احتمال لوجود هذه المواهب...

و"الجسم الصنوبري" غدة غامضة اختلف العلماء في تحديد وظيفتها (رغم مسؤوليتها عن إفراز هرمون الميلاتونين). ويعتقد أن هذه الغدة العريقة (ذات الشكل الصنوبري) مسؤولة عن الظواهر النفسية الخارقة وتلعب دوراً مهماً في توارد الخواطر، واستشفاف بالمستقبل، والإحساس عن بعد، والشعور المسبق بالكوارث.. وقد وصفها الفلاسفة الهنود بعين الروح، ونسب إليها مصطفى محمود موهبة التناسخ في رواية العنكبوت، وقال عنها الفيلسوف الفرنسي ديكارت إنها الجهاز المنسق بين الروح والجسد في حين ادعى بعض المتصوفة أنها تكبر بكثرة التأمل والسجود وتضمر بكثرة الترف والبعد عن الله...

وفي كتابه (الحاسة السادسة) يقول الدكتور جوزيف سينيل:

تعد الغدة الصنوبرية مصدر الحاسة السادسة في الحيوانات الفقارية والمسؤولة عن تواصلها من مسافات بعيدة. وبفضلها تنسق الحيوانات أعمالها وتشعر الأم بالمخاطر التي تحيط بوليدها ولو كان على بعد أميال. وقد دلت أبحاثي على مسؤولية هذا العضو عن التواصل الغريزي والاستثنائي لدى الإنسان. كما اتضح أنها في الحيوانات أكبر منها لدى الإنسان، ولدى الرجل البدائي أكبر منها لدى الرجل المتحضر، ولدى الأطفال أكبر منها لدى البالغين..

ومن الثابت حالياً أن الغدة الصنوبرية حساسة جداً للضوء وتتأثر بالذبذبات الكهرومغناطيسية الضعيفة (ويفترض بعضهم أن الشعيرات الصغيرة الموجودة في مؤخرة الرقبة تلعب دوراً مهماً في استقبال التموجات الأثيرية ونقلها للداخل)...

وهي تقع في الحيوانات الثديية في مؤخرة الرأس (تحت الجلد مباشرة) مما يتيح لها التفاعل مع الضوء والظلام. وبفضل حساسيتها للضوء (وزمن الإضاءة) تنظم حياة الكائنات تبعاً لتغير الفصول وطول النهار. فهي المسؤولة مثلاً عن توقيت سن البلوغ واليأس لدى الحيوانات، وهي التي تحثها على التزاوج في فصل الربيع أو بداية الصيف بحيث تأتي المواليد بعد الشتاء..

أما لدى الإنسان فتقع هذه الغدة (خلف) عظام الجمجمة مما يصعب وصول النور إليها مقارنة ببقية المخلوقات. ولكنها في المقابل تتأثر بالأشعة السينية والكهرومغناطيسية التي بعكس الضوء تستطيع اختراق العظام والتغلغل بداخلها. وبما أن دماغ الإنسان نفسه يصدر ذبذبات كهربائية وتموجات مغناطيسية، يعتقد بعض العلماء أن الغدة الصنوبرية مسؤولة عن استقبال هذه التموجات (من أدمغة الآخرين) والتواصل معهم عن بعد..

أنا شخصياً لا أستبعد هذا الاحتمال كوننا كثيراً ما نتلقى أفكاراً تنفجر في رؤوسنا كفقاعات الماء..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...