الأحد، 5 يناير 2020

من الخاسر في تفجير عسير؟


جميعنا محتار فعلا في دوافع تفجير مسجد الطوارئ في عسير.. محتارون فعلا رغم علمنا بمسؤولية الفكر المتطرف عن الأسباب التي جعلته يبلغ هذا المدى من الغل والحقد والدناءة.. كيف يعد نفسه مسلما تقيا من يفجر مسجدا تقام فيه الصلوات ويؤمه مصلون يشهدون أن لا إله إلا الله..

حتى من يعتبر رجال الطوارئ اعداء له لماذا لم يواجههم في الميدان - أليس من الجبن والخبث والخيانة الاعتداء عليهم بهذه الطريقة الجبانة .. أي فقه وعلم وتقوى بلغها شاب لم يتجاوز العشرين من عمره كي يرى أن من حقه تفجير مسجد (تدعوه داعش معبدا) بما فيه من مصلين لا يمكن التمييز بينهم ناهيك عن قتل عمال ومدنيين لا يدخلون أصلا ضمن دعواه..

من المؤسف فعلا أن أي نوع من العمليات الإرهابية (قتل، تفجير، إرهاب، سبي، تنكيل) موجهة ضد أي مجموعة (عسكريين، مدنيين، سنة، شيعة، معاهدين، ذميين) تطال سمعة الإسلام في النهاية..

تضر الدين كونها تشوه سمعته وتصد الناس عن دخوله أفواجا..

سيخسر بسببها الإسلام لأن المجرم يتحدث باسمه ويدعي الانتماء إليه..

سيخسر لأن الإرهاب ذاته انتهاك لتعاليم دينية ومواثيق دولية وأعراف أخلاقية (يتفق عليها جميع البشر) بصرف النظر عن جنسية الجلاد والضحية!

فالإسلام - لم يحرم فقط قتل المسلمين - بل وحرم قتل المسلم والذمي والمعاهد وكل من لم يواجهنا في أرض المعركة.. يقول تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)، ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن رائحتها لتوجد من مسيرة أربعين عاما".. بل ومنع التعرض لمشرك محارب لمجرد أنه استجار بأم هاني فقال لها " قد أجرنا من أجرتِ يا أم هاني".. فكيف حين يكون الضحايا رجالا مسلمين ينتمون لذات الأرض ويعتنقون ذات الدين - ناهيك عن وجودهم هذه الأيام في حالة استنفار وحماية ثغر من ثغور البلاد-..

يحق لنا أن نحتار لأن من يفجرون أنفسهم بالمصلين يعرفون (أو هكذا يفترض) بأن العمليات الإرهابية والتفجيرات الانتحارية لا تخالف فقط النصوص الشرعية (التي حرمت دم المسلم والذمي وجميع البشر) بل وتعد من الانتحار المحرم الذي قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)..

ولأن العمليات الإرهابية بطبيعتها عشوائية لا تميز بين أحد (بدليل أن التفجير الأخير طال مدنيين وأطفالا وعمالا) وبالتالي تسيء للإسلام مهما كان العذر والتبرير.. لا توجد أي نتائج إيجابية لأي عمليات إرهابية وقعت خلال التاريخ كله - وفي المقابل زوال الدنيا أعظم عند الله من قتل رجل مسلم..

ولداعش وأمثالها أقول بأن وطننا عزيز ويزداد تماسكا بعد كل عملية جبانة وماكرة .. بأن الأوطان العزيزة على أصحابها لن تنهار لمجرد استشهاد خمسة عشر رجلا من أبطالها.. حتى أميركا وروسيا وجميع أمم الأرض لن تخضع وتستسلم لمجرد إسقاط برجين أو تفجير محطتين.. والعالم بدياناته ومذاهبه المختلفة لن يقتنع بموقف من يفجر نفسه بين الغافلين والمستأمنين..

على العكس تماما؛ الجناة هم الخاسرون والخالدون في نار جهنم بقتل أنفسهم أولا وغيرهم ثانيا.. عملياتهم تثبت (حتى لمن يتعاطف معهم من السذج وصغار العقول) أنهم أبعد الناس عن الإسلام وسماحة الدين.. تثبت أن داعش والقاعدة وجميع المنظمات الماكرة هي من تشوه سمعة الدين بتكرار عمليات التفجير والتنكيل.. هم من يسيئون إليه ويقدمون لأعدائه فرصة الإساءة إليه حين يقدمونه بصورة تفجيرات ماكرة، وثقافة متوحشة، وشعوب متطرفة..

إن فكرت أو حتى اعتقدت للحظة بأن عمليات القتل والتفجير والإرهاب ستخدم الدين بأي حجة كانت؛ فأنت بالتأكيد أعظم من يسيء إليه..

.. رحم الله رجالنا البواسل من أبناء الطوارئ وعزاؤنا الوحيد احتسابهم شهداء برفقة الأنبياء والصالحين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...