الخميس، 2 يناير 2020

ما قبل فلسطين


عمر إسرائيل ليس طويلا ولا يتجاوز67 عاماً فقط.. وظهورها في فلسطين لم يكن مطروحا أصلا حين كانت الحركة الصهيونية تبحث عن وطن لليهود.. فقبل فلسطين طرحت اقتراحات بإقامة وطن لهم في أوغندا وموزمبيق والكونغو والأرجنتين وشمال أفريقيا وشرق استراليا، بل وإنشاء ولاية خاصة بهم في أميركا..

كانت كل الخيارات مطروحة حتى موعد عقد المؤتمر الصهيوني الأول (في29 أغسطس1897) في مدينة بازل السويسرية.. وهناك ضغط مؤسس الحركة تيودر هرتزل لاختيار فلسطين (التي حاول قبل ذلك شراءها من السلطان عبدالحميد الثاني بعشرين مليون ليرة ذهبية قبل دخولها تحت الوصاية البريطانية)..

وبين تاريخ عقد المؤتمر (في1897) وتاريخ قيام دولة اسرائيل (1948) عملت الحركة الصهيونية على تشجيع الهجرة الى فلسطين، والعزف على مذابح النازية في أوروبا، ومساومة الحكومة البريطانية حتى حصلت على وعد بلفور الشهير!

.. الغريب أكثر؛ أن قسما كبيرا من اليهود أنفسهم لا يؤيدون قيام دولة إسرائيل ويعتبرون ذلك مخالفا لنصوص التوراة.. فهناك فرق كبير بين اليهودية (كديانة سماوية) والصهيونية (كحركة قومية) تسعى لجمع الشتات اليهودي في وطن خاص بهم.. اليهود المتدينون يؤمنون بأن الله كتب عليهم التشرذم وعدم التجمع حتى يوم القيامة (وبالتالي) يعتبرون تجمعهم في فلسطين نذير شؤم وغضب جديد سيحل عليهم من الله..

وكانت تجمعات يهودية كثيرة قد أعلنت منذ البداية معارضتها إنشاء دولة يهودية في فلسطين من أبرزها يهود ألمانيا الذين منعوا هرتزل من عقد مؤتمره الصهيوني الأول في ميونيخ كما كان مقررا فاضطر لنقله الى بازل..

أما يهود أميركا فنظموا مؤتمرا في مونتريال في نفس توقيت مؤتمر بازل وأصدروا بياناً اعترضوا فيه على محاولة إنشاء دولة يهودية واعتبروا ذلك مخالفا للرسالة اليهودية التي يجب أن تنحصر في طابعها الروحي وتنتظر الإذن بإنشاء مملكة الرب على الأرض" (ويا ليتهم انتظروا)!

وفي أيامنا هذه توجد أكثر من 27 منظمة يهودية مناهضة للصهيونية تنادي بتسليم فلسطين لأهلها - أبرزها منظمة "يهود ضد الصهيونية" في أميركا واتحاد "ناتوري كارتا" في أوروبا..

ورغم الحصار الإعلامي الذي تعانيه هذه المنظمات أجرت محطة "فوكس نيوز" مقابلة مع زعيم المنظمة الأولى قلبت مفاهيم المواطنين الأميركان.. فقد قال الحاخام رابي وايس (رئيسها الحالي):

المفروض ألا تكون لليهود دولة، لأنهم منفيون بأمر الله، وهذه مشيئته في التوراة.. ووجهة النظر هذه كان جميع اليهود متفقين عليها حتى ظهرت الحركة الصهيونية وحولت اليهودية من ديانة روحية إلى هدف قومي يسعى لقطعة أرض.. ولكن مراجعنا الدينية مازالت ثابتة وتقول إن هذا الأمر محّرم من الله وإن تجمعنا في فلسطين يخدم فكرة المسلمين بالعودة عليهم (ولعله يقصد قوله تعالى: فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا)!

.. أيضا هناك اتحاد "ناتوري كارتا" الذي يقف ضد إنشاء دولة يهودية لأسباب كثيرة أهمها أن تجمعهم في دولة واحدة سيسّهل القضاء عليهم مستقبلاً، وأن الله قد كتب عليهم الشتات حتى يوحدهم المسيح الجديد في مملكة عظيمة قبل نهاية العالم.. وقال الاتحاد في بيان شهير عام 1998 (بمناسبة مرور خمسين عاما على قيام إسرائيل):

"لقد أفسدت إسرائيل كل شيء على اليهود وشعوب المنطقة واستمرارها في الوجود سيتسبب بحرب عالمية عظمى سيكون اليهود أول ضحاياها"!

.. وكل هذا أيها السادة يخبرنا أن "فلسطين" لم تكن الخيار الأول للحركة القومية الصهيونية، وأن "إسرائيل" لم تكن أصلا خيارا مطروحا من الجماعات المتدينة..

وبناء عليه تخيلوا عالمنا العربي اليوم بدون إسرائيل..

صحيح أن فلسطين لن تضيف شيئا مهما لمنظومة الدول العربية؛ ولكن عدم ظهور إسرائيل منذ البداية (وما نجم عن استمرارها من مؤامرات، وحروب، وشق صفوف، ومساندة دولية) كان بلا شك سيجعل العرب بوضع أفضل هذه الأيام..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...