الخميس، 2 يناير 2020

لنستغن أولاً عن السيارة الأميركية والشماغ الإنجليزي


من مفارقاتنا العربية وجود مجلة أميركية تدعى أخبار المقاطعة الوطنية.. وهي مجلة تتضمن قائمة بآخر الشركات التي بدأ المواطنون الأميركان بمقاطعتها - وآخر الشركات التي أمكن إخضاعها وإخراجها من القائمة..

ويقدر انه في كل عام تتشكل اربعمائة مقاطعة جديدة في أميركا ويتم "التهديد" بعدد مماثل.. ومن الشركات التي تعرضت لحملات مقاطعة كبيرة (من المواطنين أنفسهم) كوكاكولا بسبب علاقتها بالنظام العنصري في جنوب أفريقيا، وشركة التلفون الأميركية AT&T كي توقف تبرعها لاتحاد تنظيم الأسرة الذي يبيح الإجهاض، وشركة جنرال إلكتريك بسبب مشاركتها في بناء المفاعلات النووية حول العالم.. كما تعرضت شركة فورد لحملة مقاطعة اجبرتها على ايقاف انتاج سيارات الركاب الضخمة (المستهلكة للنفط).. في حين تعاني مطاعم ماكدونالد من مقاطعة دائمة ممن يرون أنها تقتل أعدادا كبيرة من الحيوانات (حيوانات؛ وليس بشرا في سوريا أوبورما)!!

والمفارقة هنا أن معظم هذه الشركات كانت مدرجة ضمن قائمة المقاطعة العربية الموجهه ضد اسرائيل.. غير أن الأحوال تغيرت هذه الأيام بفضل العولمة - وسلاح المعاملة بالمثل - فأصبحت تعمل بحرية في معظم الدول العربية!

فرغم الضعف الذي تعانيه الأمة العربية كانت حتى وقت قريب قادرة على تبني سلاح المقاطعة ضد اسرائيل.. ففي عام 1951 أنشأت الدول العربية مكتبا خاصا للمقاطعة الاقتصادية كلف اسرائيل (حتى عام 1985) 103 مليارات دولار - ولولا المساعدات الأميركية والتعويضات الألمانية لانهار اقتصادها منذ أمد بعيد.

وقد أدرك المؤتمر الصهيوني خطورة هذا السلاح فأنشأ عام 64 مكتبا مضادا، وسعى لإقناع الدول الكبرى بالضغط على الدول العربية لفك هذا الحصار. وبحلول التسعينيات نجح الضغط الاميركي في إجبار معظم الدول العربية على الغاء هذا السلاح وقبول الشركات العاملة في اسرائيل - أو التي تملك فروعا فيها - بدخول الأسواق المحلية أوالمنافسة في مشروعاها التنموية!!

ومن العجيب ان اميركا تتخذ موقفا متشددا ازاء المقاطعة العربية في حين تعمد الى حصار دول مثل كوبا وايران والعراق وكوريا الشمالية.. أما على المستوى الشعبي فيعد المواطن الاميركي أول وأهم من يقاطع منتجات بلاده.. فهناك من يقاطع منتجات الشركة الفلانية لانها تدمر الغابات أو تلقي النفايات أو تجرى تجارب على الحيوانات.. وهناك من يقاطع برامج تلفزيونية أو رجال أعمال بسبب آرائهم السياسية أو العنصرية كما حدث مؤخرا مع رجل الأعمال المعروف دونالد ترامب بسبب تصريحاته العنصرية ضد المهاجرين اللاتينيين (الأمر الذي تسبب في انسحاب المحطات الفضائية من تغطية مسابقة الجمال لهذا العام 2015 التي يرعاها شخصيا)!

.. ومن هذه الأمثلة نتعلم درسا مهما هو أن "الحكومات" أصبح من الصعب عليها تنظيم مقاطعة رسمية بسبب الاتفاقيات العالمية أو سياسة المعاملة بالمثل أو الإضرار باقتصاد البلاد نفسه.. ولكن.. في المقابل؛ مازال بإمكانك أنت (كمواطن فرد) مقاطعة منتجات عالمية بحسب مصالح دولتك أو أمتك العربية والإسلامية..

.. وفي جميع الأحوال؛ لا تلوموا حكوماتنا العربية على تراخيها في مقاطعة الشركات الأجنبية.. فحتى نحن المواطنين لم يعد لدينا الاستعداد مثلا لمقاطعة شركات الانترنت أو السيارات أو الأطعمة الأميركية.. ليس لدينا استعداد للتخلي عن الشماغ الإنجليزي أو الاكتفاء بقطعة قماش صغيرة تستر عوراتنا مثل غاندي (الذي بدأ تحرير الهند بمقاطعة الأقمشة الإنجليزية)!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...