الخميس، 2 يناير 2020

حين تأبى الشمس الغياب


قد لا تفضل صيام رمضان في أشهر الصيف؛ ولكن النوم تحت "المكيف" أفضل بكثير من الصوم في روسيا والنرويج والسويد والدول الشمالية.. فساعات النهار هناك تصل إلى 22 ساعة في اليوم بحيث لا يتبقى لديك سوى ساعتين فقط للإفطار والسحور.. وكنت في مايو الماضي في النرويج حين ركبت مع سائق أجرة صومالي أخبرني أنهم صاموا هذا العدد من الساعات في رمضان الماضي فقلت له: ولكن هناك فتوى تجيز لمن يعيشون في هذه الدول الصوم والإفطار بحسب توقيت أقرب بلد يتساوى فيه الليل والنهار.. فقال بجدية: لا؛ فهناك شيخ من المغرب أخبرنا أن من يصوم في النرويج يأخذ على صيام اليوم الواحد، أجر يومين.. فقلت في سري: "الله يعطيك على قد نيتك"!!

.. وبالإضافة لمشقة الصيام في الدول الشمالية يتسبب طول النهار بكآبة موسمية تنجم عن قلة النوم واضطراب الساعة البيولوجية.. حين كنت في روسيا في أبريل الماضي أبديت ندمي لشاب روسي على عدم زيارة سانت بطرسبورج في شهر يونيو لرؤية الليالي البيض (حيث تأبى الشمس الغياب خلال شهر رمضان وتحديداً من بداية يونيو إلى منتصف يوليو).. فقال لي متهكماً: لو زرتنا خلال هذه الفترة لما وجدت أحداً يبتسم في وجهك أو يعاملك بشكل حسن!!

.. غير أن الروس لا يكرهون بشكل جدي بقاء الشمس فوق رؤوسهم فترة طويلة.. فحسب علمي هم أول من فكر بعكس أشعة الشمس لتدفئة المناطق الجليدية في سيبيريا. فخلال عقد الستينات طرحت مؤسسة الفضاء الروسية فكرة نصب مرايا عملاقة في الفضاء الخارجي تعكس ضوء الشمس إلى شمال روسيا.. ورغم أن الفكرة بدت معقولة من الناحية النظرية إلا أن المساحة الشاسعة لسيبيريا (التي تمثل 75% من مساحة روسيا نفسها) حالت وقتها دون قبول المشروع.. وفي منتصف الثمانينات طرحت الفكرة مجدداً بغرض تركيز ضوء الشمس على بلدات ومناطق جليدية صغيرة ومحدودة نسبياً غير أن تفكك الاتحاد السوفييتي وتخفيض ميزانية المشروعات الفضائية جعلت المشروع في حالت تأجيل دائم حتى يومنا هذا!!

غير أن الفكرة تم تنفيذها في النمسا وسويسرا وشمال النرويج.. ففي شرق النمسا توجد منطقة جبلية تتميز بشتائها القارس تدعى "مقاطعة التيرول".. ووسط هذه المنطقة توجد قرية صغيرة تدعى راتنبرغ تعيش في ظل جبلين يحجبان عنها نور الشمس في معظم الفصول. فمن الشرق هناك سلسلة شتادبرغ التي يبلغ ارتفاعها 910 أمتار وتحجب أشعة الشمس في فصل الشتاء ومن الغرب هناك جبل ستادشتوس الذي يتجاوز ارتفاعه 887 متراً ويحجب عنها ضوء الشمس بعد ظهيرة أي يوم.. وللخروج من هذا المأزق المظلم وافق سكان القرية على تبني مشروع حكومي لعكس ضوء الشمس باستعمال ألواح عاكسة عملاقة. واعتمدت فكرة المشروع على نصب ستين مرآة فوق الجبال المحيطة لعكس أشعة الشمس على ساحات القرية وشوارعها الرئيسية.. ويقول مدير المشروع ماركوس بيسكولر إن هذه المرايا يتم تحريكها بواسطة الكومبيوتر لترافق مسار الشمس وتضمن عكس النور إلى القرية طوال النهار.

أما رئيس البلدية فرانتس فورتسنراينر فيقول إن السكان (قبل الانتهاء من تنفيذ المشروع عام 2007) كانوا يشتكون من الكآبة والإحباط بسبب غياب ضوء الشمس الأمر الذي أدى إلى هجرة 10% من سكان القرية خلال السنوات الخمس الأخيرة!!

والآن أيها السادة؛ فكروا معي بمشروع معاكس..

.. مشروع يمنع ضوء الشمس من الوصول إلى مدننا التي ترتفع فيها درجات الحرارة عاماً بعد عام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...