الخميس، 2 يناير 2020

أعظم من كونها مقابر


شاهدت قبل أيام فيلماً وثائقياً بعنوان "أهرامات الصين المفقودة" يؤكد ما ذهبت إليه قديماً من أن الشكل الهرمي هو أبسط وأقوى شكل يمكن للحضارات القديمة تنفيذه.. لهذا السبب يوجد حول العالم أكثر من 300 هرم لم يقلد أي منها الآخر كثير منها بنته حضارات لا تعرف بعضها، وتفصل بينها بحار ومحيطات كالحضارات المصرية والمكسيكية.

صحيح أن بعضها بدائي جداً مثل أهرامات النوبة والسودان، وبعضها مدرج ومتناظر مثل أهرامات المكسيك وحضارة الأنكا، وبعضها متناسق ودقيق مثل أهرامات مصر، والبعض الآخر ضخم لدرجة تحسبها تلالاً طبيعية كالأهرامات الصينية؛ إلا أن جميعها تعتمد على البناء بشكل هرمي مستقر ودائم ويوفر ارتفاعاً هائلاً باتساع قاعدته.

ورغم أن البناء الهرمي يضمن ارتفاعاً مستقراً وثابتاً (بدليل بقائها حتى اليوم) يتطلب كميات هائلة من مواد البناء نفسها.. وبسبب هذه الكميات الهائلة لا يعرف أحد فعلاً ما يوجد بداخلها كون التأكد من ذلك يتطلب هدم الشكل الهرمي كاملاً وتسويته بالأرض.. وتزداد درجة الصعوبة في الصين بالذات حيث تحولت معظم الأهرامات إلى تلال خضراء من فرط القدم ومياه الأمطار لدرجة يتساءل الجميع:هل هي طبيعية أم من صنع الإنسان؟

أما في مصر فلم تتوقف محاولات كشف خبايا الأهرامات خلال الأربعة آلاف عام الماضية.. حاول ذلك منقبون وغزاة وباحثون عن الكنوز بل وحتى الخليفة العباسي المأمون الذي أمر بضربه بالمنجنيقات لاستخراج لفائف الحكمة القديمة الذي كان مقتنعاً بوجودها داخل هرم الجيزة...

... وحين تعجز محاولات الهدم والتنقيب تزدهر الفرضيات والتخمينات؛ فما من كتاب ألف قديماً أو حديثاً إلا حاول مؤلفه تقديم فرضية جديدة لسبب بناء الأهرامات. فالبعض اعتبرها مخازن للذهب، وآخرون اعتبروها مستودعات للعلوم والحكم، وآخرون قالوا إنها مجرد صوامع للحبوب والغلال، وهناك من قال وهذا صحيح جزئياً إن الأهرامات ذاتها بنيت حسب مواقع النجوم التي تستقر فوقها (أورسا الصغرى وأورسا الكبرى)!

أما الأسوأ من التخمينات فهو الاستشهاد بالأساطير والمرويات وكتب التراث القديمة؛ فبعض الروايات تنسب بناء الأهرامات إلى شداد بن عاد، وأخرى إلى يوسف وإدريس عليهما السلام، وثالثة إلى سويرد بن سلهوق (أحد حكام مصر قبل الطوفان) ورابعة إلى الإسكندر الأكبر...

وكان المؤرخ القزويني قد ادّعى أن في الأهرامات "ما لا يوصف من الذهب" وأنها بنيت لحماية كنوز المعرفة القديمة من آثار "الطوفان".. ولكن بحلول القرن التاسع عشر استقر الرأي على أن الأهرامات بنيت بكل بساطة كمقابر لفراعنة مصر العظماء.. ورغم أن هذا هو المسلم به حالياً، يصعب عليّ شخصياً تصديق أن إنجازاً هائلاً بهذا الحجم بني (كمقبرة) فقط.. صحيح أن الممرات والغرفة الداخلية (المسماة بغرفة الملوك) توحي بذلك ولكن ما أدرانا أنه مجرد ترتيب مصطنع لصرف انتباهنا عما هو أهم وأعظم!؟

.. بكلام آخر؛

كيف تُبنى الأهرامات كمقابر دون اكتشاف أي جثامين فيها!؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...