الأحد، 5 يناير 2020

قائد أم مدير؟


في مطلع هذا العام الدراسي ذهبت إلى ابني وسألت الحارس عن المدير.. فأعاد علي السؤال وقال: هل تقصد القائد التربوي؟.. قلت: نعم القائد التربوي.. دلني على مكتبه وفور دخولي أدركت أين أخطأت..

فقد كان يضع على مكتبه لوحة صغيرة كتب عليها "القائد التربوي فلان الفلاني".. ابتسمت وأبديت استحساني لاستبداله كلمة المدير بالقائد التربوي لما في ذلك من إيحاءات لا تخفى على خبراء الإدارة!

.. وبعد خروجي قررت كتابة مقال يوضح الفرق بين القائد والمدير (لأن مجرد معرفة الفرق بين الاثنين سيحدث انقلابا في رؤيتك للأهداف، وطرق التنفيذ، وأساليب الإدارة)..

فالمدير كما يشير اسمه يدير العمل وأعضاء الفريق، بينما يبتكر القائد العمل ذاته ويلهم أعضاء الفريق..

المدير يعمل حسب التشريعات والأنظمة.. في حين يركز القائد على الأهداف النهائية وكيفية الوصول إليها بطرق مبتكرة وبعيدة عن البيروقراطية..

المدير (أيضا كما يشير اسمه) يدير أشخاصا مهيئين مسبقا لإنجاز أعمالهم ومتقبلين لفكرة إدارتهم وتوجيههم من قبل شخص أعلى منهم ..

أما القائد فيتجاوز ذلك ويخلق فريق عمل يؤمن بأهدافه.. يوحد جهودهم المشتتة لتنفيذ مهمة عظيمة واحدة ومشتركة (وخذ كمثال جنكيز خان الذي وحد قبائل المغول الهمجية في قوة منظمة اكتسحت العالم القديم)..

المدير يتحدث ولا يستمع، يأمر ولا يناقش، همه الأول تنفيذ الأوامر وعدم مخالفة التعليمات.. أما القائد فيُلهم موظفيه ويستمع إليهم ويناقشهم ويحثهم على الابتكار وتقديم أفضل ما لديهم (دون أن يخالف بالضرورة الأنظمة والتعليمات).

المدير صارم وصلب ينشر الإحباط بين موظفيه ولا يشجعهم على المبادرة والانجاز (ويخشون هم فعل ذلك خشية ارتكاب الأخطاء وتجاوز التعليمات) .. في حين ينشر القائد بينهم روح التحفيز والتشجيع والمرونة ويعتمد نظام المكافأة لا العقاب..

وهذا لا يعني أن المدير الصارم سيئ بالضرورة.. بل قد يكون المفضل لدى رؤسائه كونه يفعل الأشياء بشكل صحيح.. أما القائد فيهتم (ليس بفعل الأشياء بشكل صحيح) بل بفعل (الأشياء الصحيحة بطرق مختلفة) قد تثير حفيظة رؤسائه وتجلب عليه عداوات أقرانه..

والمدير قد يستسلم ويقف حائرا حين يواجه مشكلة جديدة أو عقبة غير مسبوقة (لم تذكر في كتيب التوجيهات) في حين يعتبرها القائد تحديا جديدا يسعى لتجاوزها بطرق مبتكرة (لاتوجد في كتيب التعليمات)!

باختصار:

المدير يطبق والقائد يبدع.. المدير يتحكم والقائد يلهم.. المدير ينظر للقريب والقائد ينظر للبعيد.. المدير يفكر بالاستقرار والقائد يفكر بالتجديد والابتكار.. المدير يسأل لماذا ومن فعل ذلك؟ والقائد يسأل كيف ولماذا لا نفعل ذلك؟

المدير يحاول تهدئة الخلافات والقائد يحاول التوفيق بين مختلف التوجهات.. المدير يؤثر في الموجودين تحت سلطته بقوة الأنظمة والقائد يؤثر في الموجودين خارج سلطته بقوة الأفكار..

من هذا كله ندرك أن القائد هو أيضا مدير في حين أن المدير ليس بالضرورة "قائدا".. ندرك أن نابليون وجنكيز خان والملك عبدالعزيز كانوا قادة عظماء (كونهم ألهموا شعوبا ووحدوا جهودا وحققوا نتائج عظيمة بطرق غير مسبوقة) وفي نفس الوقت هناك مديرون ناجحون أثبتوا (في أوقات السلم) مهارة عالية في بناء الدولة وإدارة المواهب وبناء المؤسسات..

.. والآن؛ أخبرني أنت أين ترى نفسك؟

هل أنت مدير صارم يهمه تطبيق التعليمات بصرف النظر عن الهدف والنتيجة، أم قائد ملهم تبتكر الأنظمة والقوانين لتحقيق أفضل هدف ونتيجة؟

مدير هدفه الأول الانضباط وسير العمل كساعة سويسرية دقيقة، أم قائد ينظر بعيدا ويجعل العمل بأكمله يتأقلم خلف رؤيته الجديدة؟

.. أياً كان جوابك، علق هذا المقال أمامك، وحاول الجمع بين الموهبتين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...