الأربعاء، 8 يناير 2020

عيون لا ترى الملائكة


لن تصدق محدودية أبصارنا حتى تكمل هذا المقال لنهايته...

فأعيينا وهذا أولاً لا ترى إلا من خلال "الضوء" الذي يشكل نطاقاً صغيراً ومحدوداً من الطيف الكهرومغناطيسي.. وهذا يعني أننا (لا نرى) من خلال الأشعة الحرارية ولا السينية ولا الراديوية ولا فوق البنفسجية ولا تحت الحمراء ولا أي طيف آخر يتيح لنا رؤية ما يختفي وراء الحوائط والجدران أو يوازي البومة التي ترى في الظلام أو النحلة التي تميز حدود الأطياف..

أيضاً أعيننا غير قادرة على التأقلم والتكيف بحيث ترى الأجسام الصغيرة جداً أو البعيدة جداً وبالتالي نحتاج إلى "ميكروسكوب" لرؤية الأشياء الدقيقة و"تليسكوب" لرؤية الأشياء البعيدة...

أضف لهذا أعيينا غير قادرة على متابعة ما يتحرك بسرعة بطيئة جداً (كزهرة عباد الشمس) أو سريعة جداً (كمروحة السقف أو حصاة يتم قذفها بسرعة)...

.. ولاحظ .. كل هذا ونحن لا نعرف على وجه التحديد لماذا نعجز عن رؤية الملائكة كالديكة، أو الشياطين كالحمير (كما جاء في الحديث الشريف)!!

... الحقيقة الواضحة؛ أن أعيننا تتوارى خجلاً أمام أعين مخلوقات كثيرة كالصقر (الذي يرى الأرنب من بعد أميال) والبومة (التي ترى في الظلام) والقرش (الذي يرى من خلال الموجات الكهربائية) والخفاش (الذي يحول تحركات الضحية إلى صور صوتية)!!

... ولكن.. من حسن الحظ أن اختراع التلسكوب، والميكروسكوب، والكاميرا، والتصوير بمختلف أنواعه؛ عوض لنا شيئاً من هذا القصور..

سأتجاوز مزايا الميكروسكوب (الذي نرى من خلاله الميكروبات والمخلوقات الدقيقة) والتلسكوب (الذي نرى من خلاله المجرات والكواكب البعيدة) وسأحدثكم عن مزايا التصوير (غير التقليدي)...

فالتصوير البطيء مثلاً حسم سؤالاً قديماً مفاده: "هل ترتفع حوافر الحصان الأربعة كلها أثناء ركضه بسرعة (بحيث يبدو طائراً في الهواء في لحظة معينة؟) أم لابد يلامس الأرض بحافر أو حافرين في جميع اللحظات؟"..

لم يتم حسم هذه المسألة إلا في القرن التاسع عشر حين قام إدوارد مايبرج بتصوير حصان يركض (بسرعة بطيئة) فاكتشف أن حوافر الحصان الأربعة ترتفع جميعها في لحظة معينة بحيث يبدو فعلاً طائراً في الهواء...

ومنذ ذلك الحين تمت الاستعانة بالتصوير البطيء للتأكد من حركة أجسام كثيرة تعجز العين عن رؤيتها (مثل ملامس الكرة لخط المرمى، أو دخول وخروج الرصاصة من الأجسام الطرية)..

كما أمكن (بصورة معاكسة) تسريع حركة الأجسام بحيث نرى مثلاً مراحل نمو الزهرة أو البذرة أو الجنين أو التئام الجرح لأغراض علمية وطبية مختلفة!

... وكانت الخطوة التالية اختراع كاميرات تعمل بسرعة الضوء وتلتقط بلايين الصور في كل ثانية.. وهذا يعني إمكانية رؤية وتتبع حركة الفوتونات الضوئية والجزيئات الذرية ورؤية ما يختفي خلف الجدار ويمكنك فتح اليوتيوب وإدخال كلمتيFemto Photography

أيضا هناك نوع جديد من التصوير يعمد ألى تضخيم المتغيرات، والمبالغة في إظهار الحركات.. فوجوهنا مثلاً يتغير لونها بحسب حالتنا النفسية (بين كذب، سعادة، نفور، ملل، نشاط).. غير أن هذه التغيرات صغيرة جداً لدرجة لا تلاحظها العين المجردة.. ولكن من خلال معالجتها ببرامج تصوير خاصة يتم تكبير وتضخيم هذه المتغيرات بحيث تدرك ما إن كان صديقك يكذب عليك أم يسعد بلقائك والحديث معك..

وكان أحد العلماء المشتغلين بهذا النوع من التصوير قد استعرض فيلمين لطفلته الرضيعة.. في الفيلم الأول بدت ساكنة تماماً (بحيث لا تعلم فعلاً إن كانت نائمة أم ميتة) وفي الثاني تم تضخيم المتغيرات بحيث بدا قفصها الصدري يرتفع وينخفض بشكل مبالغ فيه (وبالتالي يتأكد الأهل أن ابنتهم تتنفس بشكل جيد وتنام بشكل هادئ)!!

كل هذه التقنيات.. والاختراعات.. والمقارنة مع بقية المخلوقات.. تثبت محدودية أعيننا وضعف أبصارنا لولا تعويضها بالعقل والإبداع التقني...

المشكلة التي تقلقني؛ ان شعوباً أصبحت ترى بعيداً، وأخرى مازالت تعاني من ضعف البصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...