الأحد، 5 يناير 2020

خطورة تحول الكاتب إلى ماركة تجارية


جميعنا (رجال أعمال) نحاول بيع شيء ما للآخرين.. جميعنا يبدأ متواضعاً ومغموراً ولا يستلم العائد المجزي لبضاعته.. غير أن العزيمة والإصرار والحفاظ على جودة البضاعة عوامل تكفل جذب المشترين.. وعاماً بعد عام يزيد مستوى الشهرة والشعبية لدرجة تتحول البضاعة إلى ماركة ثقافية (وكثيراً من الأحيان تجارية) لا تتأثر كثيراً بانخفاض الجودة..

وهذه الحقيقة يمكن تشبيهها بمروحة السقف التي تتحرك ببطء في بداية انطلاقها (رغم وصول التيار إليها) ولكنها تستمر بالدوران لفترة طويلة حتى بعد قطع التيار الكهربائي عنها!!

والكُتّاب أمثالي ليسوا استثناء من هذه الظاهرة.. فالمؤلف أو الكاتب قد يتحول بعد فترة طويلة من العمل الدؤوب إلى "ماركة تجارية" تعتمد على شهرة وشعبية اسمه وليس جودة الفكرة والمواضيع التي يطرحها.. وحين يصل لهذه المرحلة تتهافت عليه الصحف دون السؤال عن طبيعة أو جودة ما يكتب خصوصاً في صحفنا المحلية كونها لا تملك وسائل لقياس إقبال القراء على هذه المادة أو تلك.

واستنتجت هذه الحقيقة في آخر سنوات من عمر أنيس منصور وهو كاتب أُحبّه وأحبّ كتاباته ولكنه في آخر حياته أصبح يكتب لمجرد الكتابة وأصبحت الصحف تستقطبه لمجرد التباهي بالاسم.. وخذ كمثال آخر حسنين هيكل الذي أشعر اليوم كلما قرأت له شيئاً أنه انتهى فكرياً عند ستينات أو سبعينات القرن الماضي.. ويلاحظ على كلا النموذجين فبركة القصص أو تكرارها أو وضع أنفسهم محوراً لها ناهيك عن الحديث عن أزمنة سابقة لم تعد تهم الجيل الحالي أو تحليل وقائع وأزمات لم يعد لها صلة بأحداث اليوم .. وحين أتساءل عن سرّ استقطاب الصحافة لهم لا أجد غير حرصها على "تجميع" أكبر عدد ممكن من الكُتاب المعروفين والأكثر شهرة (لمجرد الفشخرة)!

وهذا النموذج يثبت أن الكُتاب قد يتحولون إلى ماركات تجارية نحرص على امتلاكها دون الاهتمام بجودتها.. إلى مروحة سقف ثقافية تستمر بالدوران لفترة طويلة حتى بعد انقطاع التيار عنها!

وبطبيعة الحال ليس من مصلحتي تنبيهكم لهذه الحقيقة كوني لا أضمن انقطاع التيار عن دماغي بعد عشرة أو عشرين عاماً من الآن.. غير أنني أحاول دوما التعلم من تجارب الآخرين ووضع معايير جودة شخصية أرفض التنازل عنها ويساعدني في ذلك ردود أفعال القراء في موقع الصحيفة وتسمح بمعرفة موقعي مقارنة ببقية الكتّاب.

ولأنني لا أعلم عن مصيري ككاتب سأخبرك أنني (كقارئ) على قناعة بأن نهاية الكاتب تتمثل في عجزه عن "التجدد" والإضافة لمعلومات وأفكار من يقرؤون له.. معيار الجودة في رأيي هو (شعور القارئ) هل تعلّم أو استفاد من الكاتب شيئاً جديداً؟ .. هل أصابه بدهشة المعرفة وجمال الحقيقة؟ .. هل لفت انتباهه أو غيّر طريقة تفكيره إلى أمر جديد ومختلف!؟ .. إن لم ينجح في ذلك فلماذا يدفع القارئ ثمن الصحيفة أو يضيع وقته بقراءة ذكرياته أو لقاءاته مع علية القوم!؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...