الخميس، 2 يناير 2020

المواطن العالمي


تحدثت في ذات مقال عن ضرورة التفريق بين العولمة والعالمية..

فالعولمة فعل خارجي مفروض يحتم على الجميع الالتزام بمظاهر عالمية وثقافية وتشريعية مشتركة..

أما العالمية فقرار شخصي واختياري يعني أن تكون عالمياً في تفكيرك وثقافتك وانفتاحك على العالم..

.. وسواء كنت عالمياً أو معولماً يسير العالم مجتمعاً نحو خلق مواطن عالمي الانتماءات والمشاعر..

فرغم أن البشر مايزالون يعيشون ضمن حدود جغرافية وسياسية ضيقة، لا ينكر أحد أنها بدأت تخف وتتلاشى بالتدريج بفعل العولمة والسفر وانفتاح الثقافات.. لاحظ مثلاً مايحدث في أوروبا؛ فبعد تكتلها ضمن حلف الأطلسي أنشأت سوقاً أوروبية مشتركة ثم فتحت حدودها ووحدت عملتها وتأشيرة الدخول إليها ثم أنشأت برلماناً قارياً يضمها وجميعها خطوات تنبئ باتحادها قريباً ضمن دولة كبرى تحت اسم "الولايات المتحدة الأوروبية"!!

.. أما بخصوص (المواطن العالمي) فأعتقد أنه قرار يتعلق بالشخص نفسه..

بمعنى؛ كيف ينظر الإنسان لذاته؟.. هل يعتبر نفسه مواطناً عالمياً، أم مازال يحصر نفسه داخل حدود القومية والوطن والمذهب؟

لا بأس في أن تعتز بقوميتك ووطنك وديانتك (التي ولدت بها) ولكن هذا لا يمنع أيضاً انتسابك للأسرة البشرية الأكبر وشعورك بأنك أصبحت عالمي الانتماء والمشاعر..

وحسب ملاحظتي الشخصية؛ كلما تعددت رحلات الإنسان وتعرف على مواطنين من جنسيات أخرى كلما ارتفع فوق الانتماءات القومية الضيقة وأصبح أكثر قرباً من صفة المواطن العالمي..

وكانت مؤسسة "رأي العالم" قد أجرت استفتاء بين مواطني21 دولة حول مشاعر الانتماء لديهم فاتضح لها أن الناس الذين سافروا للخارج أو تعاملوا مع أجانب كانوا أكثر تسامحاً وعالمية من غيرهم.. وكان السؤال الرئيسي في هذا الاستفتاء (الذي تجده على موقع WorldpublicOpinion هو: هل ترى أنك مواطن محلي (فرنسي أو هندي أو صيني) أم مواطن عالمي؟

وبعد فرز النتائج اتضح أن 66% من الناس أكدوا أنهم مواطنون محليون، في حين قال 10% إنهم عالميون، و20% إنهم عالميون ومحليون في نفس الوقت..

المدهش أن معظم من لم يسافروا للخارج ولم يتعاملوا مع جنسيات أجنبية، لم يُبدوا انفتاحاً على الجنسيات والثقافات الأخرى. في حين اتضح أن الشعور بالانتماء للعالمية يرتفع إلى حدود 72% بين من سافروا أكثر من عشر مرات في حياتهم..

أما على المستوى المحلي فمازلت أرى في سكان مكة والمدينة انفتاحاً على ثقافات العالم لم أشاهده في أي منطقة أخرى.. والسبب ببساطة هو اختلاطهم الدائم والقديم بجنسيات وثقافات ولغات يتعاملون معها خلال مواسم الحج والعمرة. ففي هاتين المدينتين بالذات من المعتاد أن تسمع أطفالاً يتحدثون عدة لغات بفضل تعاملهم التجاري مع الحجيج (خصوصاً الجيل السابق) في حين كانت العائلات تؤجر نصف بيوتها لزوار من تركيا أو إندونيسيا أو أوزباكستان والشيشان وكثيراً ما كانت تحدث حالات زواج ومصاهرة لهذا السبب..

.. أعود للتذكير بالفرق بين العالمية والعولمة وأن ما نحتاجه ليس عولمة مفروضة بل اختيارية تعتمد على الانفتاح وسعة الأفق وتقبل ثقافة الآخر تحقيقاً لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (وخالق الناس بخلق حسن)..

ولاحظ؛ كيف قال وخالق الناس.. كل الناس.. جميع الناس.. بصرف النظر عن أي فروقات عرقية ودينية وقومية!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...