بعد نشر أي مقال أتوقع (تقريباً) طبيعة الرسائل التي ستصلني من القراء أو تنهال على موقعي الإلكتروني في جريدة الرياض.. فالفكرة المطروحة تتبعها غالبا أربعة أنواع من الردود: رسالة تأييد ، واعتراض ، وإضافة ، واستفسار عن جزئية وردت في المقال .. الرسالة الأولى تستوجب الشكر، والثانية إعادة التفكير، والثالثة البحث والتدقيق..
أما الرابعة فتأتي من قراء يستفسرون عن كتاب أو إحصائية أو موقع إنترنت ذكرته عرضا .. فقبل فترة طويلة مثلا كتبتُ مقالا بعنوان "لاتذهب إلى العاصمة" ذكرت فيه أنني اشتركت قبل سفري في منتدى أمريكي خاص بتبادل الخبرات حول السفر الى أوروبا.. وحتى يومنا هذا مازلت أتلقى رسائل تطلب عنوان الموقع الذي لم أعد أتذكره شخصيا!
.. أيضا أذكر أنني كتبتُ مقالا بعنوان "نبوءات لم تتحقق" تعرضت فيه لكتاب بعنوان صدمة المستقبل سألني عنه حتى الآن تسعة عشر قارئا.. وما لاحظته ان معظمهم ظن الكتاب محاولة للتنبؤ بما سيأتي (قريبا) في حين ان الكتاب "قديم " واستعرضته للمقارنة بين ما تنبأ به المؤلف ، وما يحصل فعلا هذه الأيام؛ فالكتاب نشر في عام 1971 وكتبه المؤلف "ألفين توفلر" كمحاولة لفهم المتغيرات التي سنعيشها في القرن الجديد .. وهو لايركز فقط على المتغيرات التي ستطال الطب والتكنولوجيا والسياسة والتعليم، بل وعن إفرازات الصدمة والارتباك التي ستطال الانسان العادي حين يفاجأ بالمتغيرات السريعة من حوله!
والكتاب من هذه الناحية ليس فريدا أو وحيدا ؛ ولكن تكمن أهميته في انه أول كتاب من هذه النوعية (صدر قبل أربعين عاما) وبالتالي يملك مساحة زمنية كافية لمقارنة ما جاء فيه مع ما نعيشه فعلا هذه الأيام!!
... على أي حال؛ محاولة التنبؤ بالمستقبل أصبحت هذه الأيام علما يدرّس في الجامعات . وقد ظهرت أولا في الولايات المتحدة (وتحديدا قبل خمسين عاما في كلية الدراسات الاجتماعية بجامعة نيويورك) ثم توسعت باختلاف التخصصات والثقافات والبلدان.. ومن الوسائل المعينة على التنبؤ بالمستقبل جداول الاحتمالات والمتتاليات الرياضية ، واستطلاع آراء الأجيال القادمة وتغذية الحاسبات العملاقة بالبيانات الأساسية والاهتمام بالأبحاث الميدانية ، ودراسة المؤثرات الاقتصادية والمتغيرات الاجتماعية التي ستشكل حياة وآراء الناس بعد جيل أو جيلين!!
وبطبيعة الحال اهتمت دوائر المخابرات الأجنبية بهذه المناهج للتكهن بمجرى الأحداث حول العالم كما شاركها في ذلك الأحزاب السياسية والشركات الحريصة على معرفة اتجاهات المستهلكين في المستقبل..
وفي المقابل لم أسمع شخصيا بوجود كليات أو مؤسسات خاصة في الوطن العربي تهتم بهذا الجانب ؛ فنحن مثلا لا نملك رؤية واضحة للنمو الاقتصادي والصناعي في الخمسين عاما القادمة ، كما لم ننظم استطلاعات رسمية لآراء الطلاب (ممن سيقودون البلاد بعد عشرين او ثلاثين عاما) ولم نقم بمحاولات جادة لفهم تأثير الانفجار السكاني والمتغيرات الأسرية والاجتماعية التي سنصل اليها بعد عشرين عاما من الآن .. وعدم وجود محاولات من هذا النوع هو مايجعلنا نفاجأ ونصاب بالصدمة حين تنفجر لدينا مشكلة اجتماعية خطيرة (كما حصل مع البطالة والتطرف) فتضيع جهودنا في ردود الفعل ومحاولة ترقيع المنفرط ولملمة المتبعثر!
والمضحك المبكي أن عدم اهتمامنا بالدراسات المستقبلية جعل معظم النبوءات حول مشاكلنا المتوقعة تأتي دائما من المنظمات العالمية والجامعات الغربية (خصوصا فيما يتعلق بمستقبل المياه والتطرف والفقر والانتاج الغذائي في العالم العربي)...
ومفارقة كهذه تذكّرني بجملة ساخرة وردت على لسان غوار الطوشة في مسرحية غربة "ولاك افتح على اذاعة لندن تنعرف شو صاير عنا في الضيعة"!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق