الأحد، 28 يوليو 2019

الكوكب الوسادة


حين تغسل خادمتك وسادة نومك تقوم بمجزرة عظيمة تصغر أمامها مجازر هولاكو وهتلر وجنكيزخان (ومجازر التاريخ مجتمعة).. فهي ببساطة تضيف مساحيق سامة - وتخلق موجات طوفان عاتية - تقضي على ملايين الجراثيم والميكروبات والحشرات المجهرية التي لا يسمع صراخها أحد.. ورغم أنها لا ترى بالعين المجردة تشكل نظاما حياتيا وبيئيا متكاملا - بل ويتكاثر بعضها بطريقة جنسية حقيقية (فيما يغط سيادتكم في نوم عميق).. أما مصدر رزقها الأساسي فهو العرق والأملاح وبقايا الجلد الميتة التي تطرحها أنت أثناء نومك وتوفر لها بذلك مصدر غذاء ورطوبة دائمين.

وهي مثل كافة المخلوقات المجهرية تتكاثر بسرعة رهيبة وتتضاعف خلال أيام قليلة.. ومهما بلغت جودة الغسيل تظل نسبة منها على قيد الحياة (قد لاتتجاوز 5%) تتكاثر بسرعة خارقة حتى تمتلئ بها وسادتك مجددا بنسبة 100% (قبل أن ترتكب زوجتك أو خادمتك مجزرة جديدة)!!

ورغم أن البعض لا يغسل وسادته لعام أو عامين (لدرجة تظهر مستعمرات البكتيريا واضحة كبقع خضراء او بنية) إلا أنني سأنطلق من فرضية أن وسادتك تغسل مرة في الاسبوع/ وبالتالي تخيل فظاعة القضاء على 700 مليون كائن حي مرة كل سبعة أيام!!

وما يخفف من تأنيب الضمير أن "سبعة أيام" بالنسبة للمخلوقات المجهرية تساوي سبعة آلاف عام عطفا على عمرها الذي لا يمتد عادة لأكثر من ساعات وأيام قلائل (وبالتالي قد تموت أجيال عديدة بطريقة طبيعية ومسالمة قبل أن تمر وسادتك مجددا بموجة طوفان عنيفة).

فالزمن والتاريخ شعور نسبي يدركه كل مخلوق بطريقة مختلفة؛ فأعمار البشر مثلا تبدو لحظية وسريعة مقارنة بجبال تقف في مكانها منذ ملايين السنين.. أما بالنسبة لعمر الكون، فتبدو أعمار الجبال نفسها تافهة وسريعة/ لدرجة تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب!!

وفي حين يبدو تاريخ البشر طويلا على سطح الأرض إلا أنه (مقارنة بعمر الكوكب ذاته) لا يساوي يوما عند ربك مما تعدون.

ورغم أن الأرض تبدو لنا ثابتة دون تغيير إلا أنها بالنسبة لكائن معمر (يراقبها من أطراف الكون) تتغير بسرعة خارقة بحيث تبدو القرون كالأيام، والأيام كاللحظات، والساعات تنفصل فيها القارات وتتصل!

أما الأكثر غرابة من القضاء على البكتيريا (التي تعج بها وسادتك) كل سبعة أيام، فهو أن شبيه ذلك يحصل على كوكب الأرض أيضا.. فخلال عمره الطويل (الذي يمتد لأكثر من أربعة آلاف عام) حدثت مواسم فناء كثيرة كادت تنهي الحياة فوقه بنسبة 100%. ورغم أنها تتكرر بشكل دوري إلا أن عمر الانسان يعد قصيرا وحديثا لدرجة انه لم يعاصر حدثا كهذا ولم يتعرض لموجة فناء كبيرة وحقيقية.. حتى الآن.

فقبل 65 مليون عام مثلا انقرضت الديناصورات (مع 90% من مخلوقات الأرض) قبل أن تستعيد الأرض عافيتها ويظهر الانسان وتسود الثديات!!

وقبل ظهور الديناصورات أصلا حدثت موجة انقراض مفاجئة هلكت على إثرها نصف الكائنات الحية وهيئت الأجواء لظهور الديناصورات وتسيدها الأرض لعصور طويلة!!

وقبل الموجتين الأخيرتين وقعت موجة انقراض مفاجئة - أكثر قدما من الجميع - قضت على 90% من مخلوقات الأرض وهيئت الأجواء لظهور حيوانات ونباتات مختلفة تماما!!

وحين نقارن عصرنا (الحاضر) بمواسم الفناء السابقة نلاحظ اتساقا زمنيا يوحي باقتراب موعد الانقراض التالي.. وهذا يعني - بكلام أكثر بساطة - احتمال تعرضنا قريبا لموجة غسيل جديدة يبدأ الله الخلق من بعدها ثم يعيده!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...