الثلاثاء، 30 يوليو 2019

عصر البدانة


خلال السنوات الثلاث المنصرمة حدثت ثلاثة انقلابات نوعية لم تشهدها البشرية خلال تاريخها الطويل:

الأول تغلب عدد سكان المدن على سكان الأرياف لأول مرة في التاريخ!

والثاني تخطي البشر لحاجز السبعة مليارات نسمة كأكثر المخلوقات الثديية تناسلًا على كوكب الأرض!

أما الثالث (وهو موضوعنا اليوم) فهو تخطي عدد البدناء لعدد الجائعين في العالم!!

فحتى وقت قريب كانت المجاعات حدثا معتادا يأتي بشكل دوري ولا يغيب عن أذهان الناس لفترة طويلة (واسأل جدك عما يتذكره بهذا الخصوص). وخلال تاريخ البشرية الطويل لم يسبق أن كانت السمنة بهذا التفشي ولم يحدث أن اجتمع بدينان في "قرية" واحدة . وليس أدل على هذا من ان شعوبا تميزت سابقا بالرشاقة ودقة العود (كالعرب) أو بالقصر وضآلة الحجم (كجنوب شرق آسيا) تعاني اليوم من وطأة الشحوم وبطء الحركة.. فالسمنة اليوم أصبحت متفشية لدرجة طالت أكثر من 1,5 مليار انسان مقابل 925 مليون جائع فقط (حسب منظمة الصليب الأحمر في 2010)..

وهذا الرقم يعني أن خُمس سكان العالم تشكل الشحوم (ثلث أجسادهم) ونصف سكان العالم في حال احتسبنا نسبة شحوم أقل!!

ورغم أن الأمريكان يحتلون المركز الأول كأكثر الشعوب بدانة إلا أن "السمنة" عموما تحولت إلى مشكلة قومية حتى في الدول الفقيرة.. فمن عجائب هذا العصر أن أفراد الطبقة الفقيرة في مصر وجنوب أفريقيا وأمريكا الوسطى يعانون من بدانة كبيرة مقارنة بأفراد الطبقة الغنية الأكثر وعياً بأهمية الحمية والأكل الصحي!!

= وهناك دراسات كثيرة تؤكد انتشار داء البدانة وارتفاع أعداد البدناء بشكلٍ مقلقٍ في كافة الدول.. فما يقارب عشرين بالمائة من سكان أوربا مثلا يعانون اليوم من السمنة المفرطة (WHO,2000).. كما وصلت النسبة الى 31% بين الرجال و50% بين النساء في أمريكا (Kuczmarski, et al.,2009) .. ولايبدو أن هذه النسب ستستقر عند حد معين كونها ترتفع بوتيره أعلى بين أطفال اليوم في جميع المجتمعات (وانظر حولك)!!

وفيما يخص عالمنا العربي هناك بحث للدكتورة عزت خميس - أستاذ تكنولوجيا الأغذية بأكاديمية البحث العلمي بالقاهرة - يشير الى انتشار البدانة بين سيدات العالم العربي خلال السنوات الأخيرة بنسبة أكبر من الرجال.. ومن خلاله يتضح أن سيدات عمان هن الأكثر سمنة حيث يصل معدل البدانة بينهم إلى 64% ، تليهن سيدات مصر بنسبة 49% ثم سيدات الكويت 42%، والبحرين 40%، والإمارات 38%، والسعودية 37% ... في حين تعد سيدات لبنان الأفضل من حيث الرشاقة كون البدانة تتدنى بينهن إلى 27% فقط!!

وحسب علمي يأتي رجال قطر والكويت والبحرين والسعودية في مقدمة العالم من حيث نسبة السمنة (التي تتراوح بين 31% و 44% من مجمل السكان الذكور)..

وبوجه عام تأتي المجتمعات الخليجية (بالإضافة لمصر) في مقدمة دول العالم من حيث بدانة الجنسين/ وأيضا من حيث الاصابة بمرض السكر كنتيجة مباشرة لها!!

... وكل هذه الأرقام والنسب تعني انتقال السمنة من عارض شخصي الى وباء عالمي لم تمر به البشرية من قبل..

ورغم اعترافي بصعوبة التخلص من هذا الوباء إلا أن مجرد وعينا بوجوده يشكل خط الدفاع الأول ضد انتشاره في المجتمع...

ورغم كثرة الحميات والبرامج التي تعد بالقضاء على البدانة إلا أنني أخبرك مقدماً (بفشلها كلها) كون الرشاقة الحقيقية (محصلة لعادات سليمة وطعام صحي طويل المدى) وليس ريجيما مؤقتا تتجاوز بعده وزنك السابق !!

... وخذها مني نصيحة :

فقدان مابين 5 إلى 10 بالمئة من وزنك فقط سيحسن من صحتك ويقلل من احتمال إصابتك بالسكري وأمراض القلب والسرطان بنسبة أكبر بكثير !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...